لم يُضيّع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وقته، في محاولات إثبات تدينه والتزامه بالفروض، من خلال أداء الصلوات الخمس جماعة، فتلك ليست وظيفة الرئيس المدرك لأبعاد المهمة الملقاة على عاتقه، والعارف حجم التحديات التي تواجه بلده، فتحرك لحلحلة الأزمة مع إثيوبيا، في شأن "سد النهضة" الذي تبنيه أديس أبابا، وتخشى القاهرة تأثيره على حصتها من مياه النيل، وقد استكمل محادثات أجراها مع رئيس الوزراء الإثيوبي هيلي ماريام، واتفقا خلالها على استئناف المفاوضات المتوقفة، بزيارة خاطفة للخرطوم، التقى خلالها نظيره السوداني عمر البشير وناقش معه ملف السد، ما يؤكد سعيه لحل هذه المعضلة، التي تهدد حياة المصريين ومصادر رزقهم، وتأخذ عنده أولوية على سفاسف الأمور وقشورها، التي تمسّك بها مرسي ومرشده إبان حكمهم لمصر، في غفلة نحمد الله أنها كانت قصيرة وانتهت على خير.
على وقع تحرك الرئيس السيسي المتزن والمسؤول، يبدو أن هناك بوادر تقدم باتجاه ردم هوة الخلافات بين القاهرة وأديس أبابا، حيث أكد مع نظيره الإثيوبي الالتزام بمبادئ التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام القانون الدولي، وشكلا لجنة للبحث في العلاقات الثنائية والإقليمية، تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية، ما يعني أن السيسي يدرك البعد الإفريقي لعلاقات مصر الخارجية، وهي تشكل فضاءً رحباً يتجاوز ملف مياه نهر النيل، على أهميته القصوى، وقد تم تركه بين يدي لجنة الخبراء الدولية، ويكفيه أنه انتزع من أثيوبيا تعهداً بعدم الإضرار بمصالح مصر من المياه، مقابل التزام مصر بالحوار معها، وأكد البلدان التزامهما بمبادئ التعاون والاحترام المتبادل وحسن الجوار واحترام القانون الدولي وتحقيق المكاسب المشتركة.
قبل زيارته للخرطوم، التي اكتسبت أهميتها بتحطيم حاجز الجليد الذي ارتفع بين البلدين، إبّان فترة حكم الإخوان، واستغلته إثيوبيا ونجحت في كسر التحالف بين دولتي مصب النيل، ما أعاد اللحمة إلى هذا التحالف، وبما ينعكس إيجابياً على المفاوضات المقبلة، كانت العلاقات العربية في مقدمة اهتمامات السيسي، بعد أن جرى تقزيم دور مصر العربي، على يد مرسي الذي وضع بيض مصر كُلّه في سلة مشيخة قطر وتركيا وحصر علاقاتها بتنظيم الإخوان المسلمين الدولي، دون إدراك أنه يرأس دولة محورية، وليس مجرد عضو في التنظيم، ملتزم بتوجيهات المرشد، وكان مستعداً لتحميل الدولة المصرية تكاليف رحلة بائسة إلى باكستان، ليرتدي هناك زياً يشير إلى حصوله على شهادة دكتوراه فخرية، لاتساوي ثمن الحبر الذي كتب به اسمه عليها.
أسقط السيسي من حساباته فكرة التمسح بالدين لكسب شعبية رخيصة، وتفرّغ لأداء دوره كزعيم سياسي يسعى وراء مصلحة شعبه، دون التهاون في دور مصر العربي والإفريقي، وترك للشيوخ الأزهريين مهمة أمّ الصلوات في المساجد، معتبراً أن العلاقة مع خالقه من خصوصياته وليست برستيجاً، وهو بذلك يؤكد تمسكه ببناء الدولة المدنية، وإسقاط أي دور للإسلام السياسي، الذي أفرغ موجة الربيع العربي من مضمونها الإنساني، وهدر دم شهدائها على مذبح تفرد المرشد بالقرار في مصر، وعلى وقع انهيار ليبيا، بسبب تنافس الإسلاميين مع بعضهم ومع غيرهم على السلطة والثروة، والفوضى الناجمة عن تعدد ولاءات إسلاميي سوريا من دواعش وجبهويين وإخوان.
كانت مصر بعد إطاحة مبارك بحاجة لرجل دولة، ووجدت ضالتها في السيسي، الذي يتصرف دائما بما يعود بالنفع على أم الدنيا، دون استعراضات صبيانية منافقة، أتقنها الإخوان ولم تجدهم نفعاً، لأن الزبد يذهب جفاءً، ويمكث في الأرض ما ينفع الناس.
السيسي رجل الدولة
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2014: 09:01 م