ما كنت أحسب أن المصريين سينتبهون يوم احتفالهم بذكرى ثورة الثلاثين من يونيو (حزيران) إلى انه يصادف ذكرى ثورة العشرين العراقية التي اندلعت في اليوم نفسه من العام 1920. فاجأني مقال في جريدة المصري اليوم عنوانه "زي النهاردة .. اندلاع ثورة العشرين في العراق 30 يونيو " 1920للكاتب ماهر حسن. مصادفة غريبة نبهتني إلى أن ذكراها تمر على العراق وهو يعيش أجواء مشابهة لها في هذه الأيام: فتوى المرجعية بالجهاد، وتطوع العشائر، وانتشار "الهوسات" التي كانت وقودا حماسيا لثورة العشرين.
كنت قد كتبت عن الهوسة في أعمدة سابقة وكذلك تحدثت عنها في عدة برامج ولقاءات تلفزيونية. إنها ظاهرة شعرية وربما غنائية يمتاز بها العراقيون ولا نجدها عند غيرهم من دول المنطقة. هناك بحوث، لا يسع المجال لذكرها هنا، تشير إلى أن العراقيين ورثوا "الهوسة" عن أجدادهم السومريين مثلما ورثوا الأبوذية والدارمي. بالمناسبة أود أن أوضح للمهتمين بدراسة فنون الشعر الشعبي أن الأبوذية وكذلك الدارمي ممكن أن يستعملا في الهوسة وقد استخدما بالفعل خلال ثورة العشرين. الفارق أن بيت الأبوذية أو الدارمي يلقى بطريقة مختلفة وحال انتهائه يقفل بمقطع من وزن "الخبب"، مثل هذا الدارمي الذي يهزأ به صاحبه من الميجر الإنكليزي ديلي لما هرب من الديوانية بعد تحريرها من قبل الثوار:
شارد من أهل الفوسمالك يا ديلي
جربت يوم الكونحيلك وحيلي
ها خوتي ها .. ها .. ها .. ها:
شك ما يتخيط شكينه.
الشيء الآخر الذي أود تنبيه المهتمين إليه أن "الهوسة" لا تستخدم فقط في أيام المعارك أو الحروب لإثارة الحماس كبديل مرادف لما يسمى بـ "الأغنية الوطنية". إنها قد تستعمل في الأفراح كبديل عن الرقص للتعبير عن الفرح. كذلك تحضر في المآتم والأحزان كبديل عن اللطم مثل هوسات "العراضة" التي تشارك بها العشائر بعضها البعض عند الوفاة للمواساة وتخفيف فاجعة الفقد.
أمر آخر أراه جديراً بالانتباه أيضا، وهو أن الهوسة فعالية ذكورية صرفة. وان كانت المرأة العراقية قد شاركت بشعرها الثوار إلا أن مشاركتها كانت عن طريق وزن "النواعي" وليس "الهوسة". للباحث الجليل علي الخاقاني كتيب مهم في هذا المضمار يستحق القراءة عنوانه "شاعرات ثورة العشرين".
نقطة لفتت انتباهي، أيضا، وهي أن اسم "أمريكا"، كان حاضرا في هوسات ثورة العشرين، أيضا، رغم أنها موجهة ضد الإنكليز. بعضهم يخاف أن لا يستنجد الجيش البريطاني بها فهوّس "بس لا يتعلك بامريكه".
والثاني على عكسه يظن أنها ستستأنس لو علمت بانتصاره. هوّس صاحبنا مخاطبا القائد الإنكليزي كوكس:
يكوكس وين وجهك جوك أهل لملمومنطلبك بالشعيبة وأعرضيت اليوم
لا بد ما نسوّي اعله السماوه يومتستانس بيه حتى امريكه
وقد هوّس الحاج عبد الواحد سكر وهو من رموز الثورة متفاخرا بانه هزّ الإنكليز:
سبع ادول هزها وهزيته
أجابه آخر:
يوحيد لمريكه انحوده (أي سنطرده إلى أمريكا وليس إلى خارج العراق فقط)!
أما ما صعب عليّ تفسيره فهذه الهوسة لشاعر الثورة عبد السادة الكصّاد التي مطلعها:
ذبحنا اجنود الاستعمار بالثورات واهل الفيس
وشعب اعراكنه امدرس على الثورات اهو تدريس
لا أدري ما الذي يعنيه بـ "أهل الفيس". ألتمس من يعرف المعنى أن ينورني. فقط لي رجاء واحد هو أن لا يأتيني أحدكم ليقول لي انه يقصد أهل الفيبسبوك!
جميع التعليقات 4
زياد
اعتقد والله اعلم انه يقصد بها اصحاب تسريحة شعر معينة هذا ما اخبرني به المرحوم جدي ولقد كان معلما في احد اقضية العمارة.
ابو عباس
عزيزي استاذ هاشم المقصود (بالفيس )هو عباس البياتي لان فيسه اي وجهه موجود في كل مكان بمناسبة وغير مناسبه.
احمد الهاشم
الأستاذ هاشم المحترم ..المقصود ليس الانلكليز مشمولين بالذبح , وإنما كل أصحاب الوجوه الحمراء, كناية عن الدول التي وقفت مع الانلكليز لاحتلال العراق , مع تحياتي .
عبد الصمد اسد
عزيزي الاستاذ هاشم العقابي المحترم تحية صادقة ان كلمة (الفيس) بلهجتنا الكوردية الفيلية وتعني (التباهي او الغرور)باللغة العربية واعتقد بانها كلمة (سومرية) المصدر بقيت صامدة في اللغة العربية والكوردية.واعتقادي مبني على ما ورد في العديد من البحوث التاريخيةا