TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بيان (الردة الدينية والسياسية)

بيان (الردة الدينية والسياسية)

نشر في: 4 يوليو, 2014: 09:01 م

تساءلنا أكثر من مرة في (المدى) عن طبيعة مشروعنا نحن المثقفين العرب للعالم ولأنفسنا؟. وحاولنا أن نتلمّس التناقض والالتباس الذين يحيطان بنشاطنا الثقافيّ. وفي كل مرة تبرهن الأحداث أن مثل تلك الأسئلة العويصة لها ما يبررها. قبل أيام نُشر (البيان السوري العراقي اللبناني في رفض الردة الدينية والسياسية) الذي يدلّ عنوانه على موضوعه، وقد وقّعه 250 مثقفاً، وتصادَف نشره مع نشر تقرير "معهد واشنطن" وصحيفة "زود دويتشه تسايتونغ" الألمانية عن مموّلي داعش والإرهاب. وهنا تقع أولى المفارقات الجديرة بالتسجيل.
البيان المكتوب ببراعة ويمسّ قضايا جوهرية وأساسية، لا شك بذلك، يتجاهل، أدواراً سلبية أخرى في المنطقة غير الدور الإيرانيّ الذي نتفق بشأنه. وهو أمر يبيح التذكير والتساؤل: ألم تساهم تلك الأطراف المسكوت عنها في نشر وتوسيع نطاق الردة الدينية والسياسية، وصناعة الإرهاب والتطرّف، بفضائياتها وصحافتها وصحفييها وفتاوى علمائها، أم أنها براء من كل شرّ يصيب المنطقة اليوم؟. في هذا السياق نتحقق أن النظر بعين واحدة يرفع عن هذا البيان أو أي خطاب آخر مثله بعض المصداقية. في تبرير الصمت عن تلك الأطراف، ثمة شيء غير مقنع قط في سُلم أولويات بعض مثقفينا، حتى لا نتحدّث عن الانتقائيّة التي تقترب من (التلفيق الفلسفيّ).
لقد انتظر كتّاب هذا البيان (خراب البصرة) لكي يقولوا للملأ: انظروا وتأكّدوا من الكارثة التي قادتنا إليها السياسة الإيرانية حصرياً؟. وهذا الانتظار لا مبرّر له ومقلق، خاصة فيما يتعلق بالعراق الذي نظر له المُوقّعون، كما يبدو، وكأنه محض فضاء للتصارُع الشرس والدمويّ مع السياسة الإيرانية، دون أخذ مشاعر ورغبات وطموح وآمال وخيارات سكان العراق بنظر الاعتبار. نحن نعرف أن السلفيات التكفيرية ليست نتاج العدم، وحضورها بهذه الصيغة الإعلامية والمالية ليست صناعة إلهية (إذ أن الأرباب لا يمتلكون حسابات في البنوك على حدّ علمي)، وليست فقط ردّ فعل على الدور الإيرانيّ غير المقبول. من جهة أخرى لم يُثبت مناهضو إيران في المنطقة وعلى رأسهم السعودية، أنهم يناهضون سياستها في المنطقة لأسباب (جيوبوليتيكية) و(إستراتيجية) محض. برهنوا بالأحرى، عبر دعمهم لكل ما أقلق العراقيين على اختلاف فئاتهم، على أنهم يناصبونها العداء لسبب آخر: لقد سوّقوا لصراعهم الجيوبولتيكيّ تحت ذريعة مذهبية وطائفية وعرقية، لذا خسروا شريحة عظيمة من العراقيين.
ومما ينزع بعض المصداقية اللازمة عن هذا البيان أن كثيراً من موقعيه (الكبار) هم من العاملين في الصحافة المموّلة إقليمياً، لذا لا يُستطاع ضمن الشروط الموضوعية التي يحيطون بها أنفسهم رسم خارطة للردة الدينية والسياسية بالدقة الكافية. أما الأكثرية المطلقة الأخرى من الموقعين فإنهم من الأصدقاء والصديقات السوريات الذين ظلوا ينظرون إلى هذه الجهات الإقليمية بصفتها الداعم الأساسيّ لنضالها العسكريّ والسياسيّ بينما أطلقتْ عن آخرين لا يتفقون مع بعض طروحاتها تصورات جدّ قاسية (عن داعش على سبيل المثال لا الحصر).
لكي يمتلك هذا البيان المصداقية الفعلية كان يجب أن يُقال للمُخاطَبين فيما إذا كانت الأنظمة الإقليمية الأخرى لا تعيش من الداخل هي نفسها ردّة سياسية ودينية وقبلية بعد أن (اتفقنا) حول الشأن الإيرانيّ.
(بعد خراب البصرة) هو موقف من يتبع الأحداث للأسف، بينما نحتاج المثقفَ المتنبئ المُبْصِر بالأحداث قبل وقوعها، القادر أكثر من غيره على طرح الأسئلة وسجال الموضوع الجوهريّ، من أجل تجنيبنا الكوارث أو بعضاً منها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram