دلائل كثيرة تشير الى أن السياسة تعيق الفن وتؤثر على مساره الصحيح ، بل أنها تقتله أحياناً بعد أن تجعله لعبة بين أيدي ناس لا يقدرون الإبداع والجمال ولا يريدون الالتفات الى تاريخ البلد الذي يعيشون فيه . السياسيون في الغالب لا يسهمون في صناعة حاضر جميل لأنهم لا يحبون أو يقدرون الجمال عادة ولا يدفعون به الى المستقبل ، والحب الوحيد الذي يملكونه هو حب التسلط وركل اهتمامات الناس الجمالية وثقافتهم دون رحمة ، وكلما ازدادت الأزمات تكثر الحوادث والحماقات التي تهين الفن بل وتقتله بعد أن تطلق عليه رصاصة الرحمة !! ماذا ننتظر من الغالبية منهم ، وهم يتلاعبون بمقدرات بلدان كاملة بما تملكه من ملايين البشر والطاقات غير نظرة حمقاء الى الفن وازدراء الثقافة . والكثير ممن يصلون الى السلطة يقومون بشكل سهل بتقليم الفن ( كما البنطلون ) ليصبح على مقاسهم وحسب ما تقتضيه متطلبات نفوذهم وسيطرتهم .
المسألة التي دعتني الى قول ذلك هو ما تابعته مؤخراً حول المعرض المدهش ( ذهبْ وأسرار البحر الأسود ) الذي يقام منذ بضعة اشهر على قاعات متحف ( آلارد بيرسون ) في أمستردام . وقد كانت جامعة أمستردام التي يعود اليها هذا المتحف قد عَمِلَتْ الكثير وبذلت جهوداً استثنائية كي تنظم معرضاً من هذا النوع ، بما يحتويه من مقتنيات وتحف ذهبية نادرة لا تقدّر بأي ثمن وتعود الى الأراضي التي تقع شمال البحر الأسود قبل ما يقارب 2000 سنة مضت . لقد نجح هذا المتحف بعد محاولات ولقاءات عديدة أن يستضيف هذه التحف وهذا المعرض من أوكرانيا التي تنتمي هذه المحتويات الى أيام من تاريخها وتاريخ بعض الأماكن المحاذية لها ، وقد تمت استعارة ونقل المعرض بالتحديد من متحف جزيرة القرم ، جنوب أوكرانيا الى أمستردام حيث لا زال يعرض الآن .
المفارقة المحزنة بل المخجلة بالنسبة للفن هي أن المعرض قد انتهى وقته المتفق عليه وكان من المفترض ان يعود الى متحف القرم ، لكن يبدو أن محتويات المعرض سوف لن تعود بهذه السهولة ، وربما تتخلل مسألة المعرض الكثير من المفاجآت التي لم ينتظرها أحد والتي قد تنسينا حتى اللحظات الباهرة يوم الافتتاح . أن محتويات المعرض الآن تشبه الى حد كبير لاجئ سياسي في بلد بعيد وذلك بسبب الأحداث الأخيرة التي حصلت ودخول روسيا الى الجزيرة واستعادتها أو جعلها جزءا من روسيا ، وهذا ما أصاب مسؤولي متحف أمستردام في حيرة ولم يعرفوا الى أية دولة بالضبط يمكنهم أن يعيدوا محتويات المعرض الذي منحتهم قبل أشهر الحكومة الأوكرانية شرف أقامته ، هل يعيدونه الى روسيا على اعتبار أن جزيرة القرم قد أصبحت جزء من أراضيها ، أم يرجعوه الى أوكرانيا التي منحتهم فعلياً هذا المعرض وحق استضافته ؟ لقد تم تمديد المعرض ليتسنى للمتحف حل هذا الموضوع الغريب ، لكنهم لم يتوصلوا الى حل ، فعمدوا الى تمديد وقت المعرض فترة ثانية ، وقد انتهت هذه المدة أيضاً وهم يفكرون الآن بتمديده مرة ثالثة وهم يمنون النفس بالتوصل الى حل مناسب وعادل !!
هذه الحادثة تذكرني بما حدث أثناء الحرب العالمية الثانية حين أجتاح الألمان جزءا من الأراضي الروسية واستولوا على كل شيء بما في ذلك الأعمال الفنية التي في المتاحف ، وبعدها بفترة قصيرة أعادوهم الروس على أعقابهم ووصلوا الى برلين واسقطوها واسترجعوا أعمالهم الفنية ومعها استولوا على كل ما وقع تحت أيديهم من المتاحف الألمانية . ليس هناك أبشع من السياسيين وقادة الحروب وهم ينهشون جمال الأشياء دون رحمة والتاريخ يزخر بالأمثلة ، ومنها ما قاله هتلر متحسراً أثناء الحرب وهو ينظر الى برج أيفل ( كيف يمكننا أن ننقل هذا الشيء الى برلين ) وكأنه قد ورثه عن أبيه!!
أعمال فنية تطلب اللجوء السياسي
[post-views]
نشر في: 4 يوليو, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...