فنجان قهوة الصباح في منطقة الحمراء ببيروت له مذاق نفسي لم أجد مثله في اغلب مقاهي البلدان التي زرتها. حتى الجريدة حين اقرأها هناك أحس اني أتنفسها بارتياح. أما الناس فما أحلاهم. في المقهى، الذي اقصده كل صباح لأقضي به ساعة قبل أن أعود للفندق كي أكتب العمود، كان هناك رجل لبناني أشيب لا يفارقه الكتاب. أحييه واجلس جانبا لأتصفح الجرائد. امس، من دون كل الأيام، عرض علي ان يستضيفني على طاولته فلبيت دعوته. قال أنه يود ان يسألني ليتأكد من صحة فرضية يؤمن بها من زمن بعيد. اسأل على راحتك. أنت عراقي واعتقد انك تعارض سياسة المالكي، أليس كذلك؟ كيف عرفت؟ ضحك وقال لي انه تعلم منذ زمن صدام كيف يميز بين العراقيين المعارضين له والموالين من الذين كانوا يعيشون بلبنان. شلون يعني؟ كان المعارضون هادئين وأما البعثيون فكانوا متوترين قلقين لا هم لهم سوى التلصص وكأن عيونهم دوائر مخابرات متنقلة. اما جماعة المالكي هنا فأعرفهم من مشيتهم. ضحكت وقلت له: ذكرتني بصديق لنا، أعطاك عمره، كان يقول بانه يعرف الشاعر الشعبي من مشيته.
فتحت صحيفة "النهار" لأجد العنوان الرئيس فيها يقول: المالكي يرفض التنحّي ويتعهد بمواصلة "القتال". قلت لمضيفي: تفضل واقرأ البلاوي ..صاحبنا لزك مثل علكة بالصوف. سألني: وين المشكلة .. ألم يقل قبل ثماني سنوات بانه "ما ينطيها"؟ صدقت. مشكلتكم انتم العراقيون ان ردود أفعالكم بطيئة ولا تتحسبون الشر حين تظهر بوادره أول مرة. يوم قال "ما ننطيها" يعني انه وضع قشرة الموز في درب العملية السياسية منذ ذلك الحين. لكن، هل ان ساستكم فعلوا المستحيل من اجل إزاحتها عن الطريق؟ بصراحة انهم فعلوا عكس ذلك تماما وثبّتوا القشرة في مؤتمر أربيل جميعهم. اما صراخهم اليوم وحيرتهم بكيفية الخلاص من أسوأ وأخطر مأزق يمر به البلاد فهو نتيجة حتمية لكل من كان يرى الفأس ساقطة على رأسه ولم يتحرك إلا حين تفلق هامته. كل هذا الخراب والدماء والمصير المخيف للعراق والعراقيين هو أنكم دائما تتحركون بعد فوات الأوان. آسف ان أقول لك انها "تو ليت".
لأول مرة اشعر ان قهوتي صارت مرة واني لا أطيق قراءة ما كتبته "النهار". ودعت محدثي مهموما وحائرا بالذي سأكتبه اليوم. وعلى طول الطريق لاحت لي خارطة العراق بدون انهار ولا لون أخضر وعلت عيني غشاوة ضيعت حتى ملامح حدود الخارطة.
Too Late
[post-views]
نشر في: 5 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عراقي
بعد فوات الأوان . عجبا هل تكتبون لآنفسكم ام لنا قبل يومين الاستاذ سرمد الطائي كتب عنوان مقال نفس معنى المقال لكن باللغة العربية ، ام ان حالة الانفعال الجمعي والوجل لدى الشعب انتقلت للنخب ،نفس عميق راقبونا نحن الشعب وأكتبوا لنا ، اما السياسيين اعتقد سوف ن