TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > Too Late

Too Late

نشر في: 5 يوليو, 2014: 09:01 م

فنجان قهوة الصباح في منطقة الحمراء ببيروت له مذاق نفسي لم أجد مثله في اغلب مقاهي البلدان التي زرتها. حتى الجريدة حين اقرأها هناك أحس اني أتنفسها بارتياح. أما الناس فما أحلاهم. في المقهى، الذي اقصده كل صباح لأقضي به ساعة قبل أن أعود للفندق كي أكتب العمود، كان هناك رجل لبناني أشيب لا يفارقه الكتاب. أحييه واجلس جانبا لأتصفح الجرائد. امس، من دون كل الأيام، عرض علي ان يستضيفني على طاولته فلبيت دعوته. قال أنه يود ان يسألني ليتأكد من صحة فرضية يؤمن بها من زمن بعيد. اسأل على راحتك. أنت عراقي واعتقد انك تعارض سياسة المالكي، أليس كذلك؟ كيف عرفت؟ ضحك وقال لي انه تعلم منذ زمن صدام كيف يميز بين العراقيين المعارضين له والموالين من الذين كانوا يعيشون بلبنان. شلون يعني؟ كان المعارضون هادئين وأما البعثيون فكانوا متوترين قلقين لا هم لهم سوى التلصص وكأن عيونهم دوائر مخابرات متنقلة. اما جماعة المالكي هنا فأعرفهم من مشيتهم. ضحكت وقلت له: ذكرتني بصديق لنا، أعطاك عمره، كان يقول بانه يعرف الشاعر الشعبي من مشيته.
فتحت صحيفة "النهار" لأجد العنوان الرئيس فيها يقول: المالكي يرفض التنحّي ويتعهد بمواصلة "القتال". قلت لمضيفي: تفضل واقرأ البلاوي ..صاحبنا لزك مثل علكة بالصوف. سألني: وين المشكلة .. ألم يقل قبل ثماني سنوات بانه "ما ينطيها"؟ صدقت. مشكلتكم انتم العراقيون ان ردود أفعالكم بطيئة ولا تتحسبون الشر حين تظهر بوادره أول مرة. يوم قال "ما ننطيها" يعني انه وضع قشرة الموز في درب العملية السياسية منذ ذلك الحين. لكن، هل ان ساستكم فعلوا المستحيل من اجل إزاحتها عن الطريق؟ بصراحة انهم فعلوا عكس ذلك تماما وثبّتوا القشرة في مؤتمر أربيل جميعهم. اما صراخهم اليوم وحيرتهم بكيفية الخلاص من أسوأ وأخطر مأزق يمر به البلاد فهو نتيجة حتمية لكل من كان يرى الفأس ساقطة على رأسه ولم يتحرك إلا حين تفلق هامته. كل هذا الخراب والدماء والمصير المخيف للعراق والعراقيين هو أنكم دائما تتحركون بعد فوات الأوان. آسف ان أقول لك انها "تو ليت".
لأول مرة اشعر ان قهوتي صارت مرة واني لا أطيق قراءة ما كتبته "النهار". ودعت محدثي مهموما وحائرا بالذي سأكتبه اليوم. وعلى طول الطريق لاحت لي خارطة العراق بدون انهار ولا لون أخضر وعلت عيني غشاوة ضيعت حتى ملامح حدود الخارطة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. عراقي

    بعد فوات الأوان . عجبا هل تكتبون لآنفسكم ام لنا قبل يومين الاستاذ سرمد الطائي كتب عنوان مقال نفس معنى المقال لكن باللغة العربية ، ام ان حالة الانفعال الجمعي والوجل لدى الشعب انتقلت للنخب ،نفس عميق راقبونا نحن الشعب وأكتبوا لنا ، اما السياسيين اعتقد سوف ن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram