بغداد / المدى في يوم صيف حار في موقع العمل الذي تحيط به الكثبان الرملية والصخور وفي عز الظهر في شهر آب، المهندسان (ع، م) عادا لتوهما من موقع العمل في سد حديثة الذي لا يبعد سوى امتار قليلة الى مكتب داخل كرفان خشبي ... العرق يتصبب منهما بغزارة .. لكنه
بغداد / المدى
في يوم صيف حار في موقع العمل الذي تحيط به الكثبان الرملية والصخور وفي عز الظهر في شهر آب، المهندسان (ع، م) عادا لتوهما من موقع العمل في سد حديثة الذي لا يبعد سوى امتار قليلة الى مكتب داخل كرفان خشبي ... العرق يتصبب منهما بغزارة .. لكنه لم يمنعهما من مراجعة بعض الخرائط والتقارير للمشروع الذي يشرفان عليه بالقرب من السد ... فجأة يدخل مقاول المشروع ومعه مجموعة من أصحابه ... كان حاد الملامح وعصبيا ووجه كلمات حادة الى المهندسين ...
يعاتبهما لإصرارهما على التصدي للمخالفات التي اصر عليها المقاول رغم تحذير المهندسين بتجاوزها لانها تشكل أضرارا مستقبلية بالمشروع من ناحية جودة المواد الاولية المستخدمة بالبناء وطبعا سيستفيد منها المقاول مبالغ كبيرة في حالة الموافقة عليها من مهندسي المشروع ... لكنهما رفضا سلوكه في رشوة المهندسين والتأثير عليهم بالواسطة والتهديد احيانا ... المقاول يرفض ان تفوته فرصة العمر التي لم يبق على تحقيقها سوى امضاء المهندسين على التقرير النهائي واعطائه السلفة الاخيرة ... وامام مشاعر الطمع والجشع التي شلت تفكيره اخرج المقاول مسدسه من طيات ملابسه وامطر المهندسين بإطلاقات عديدة في صدريهما ورأسيهما ليسقطا قتيلين في الحال ويهرب الجاني من المكان! مشهد في غاية الحزن ... الجثتان على الارض وسط هدوء المكان ... الدماء اختلطت بالاوراق والتقارير ... تشهد على اخلاق وامانة المجنى عليهما في عدم التفريط بالمال العام ... وسلوك طريق الفساد ! .. بعد ساعات يكتشف العمال الكارثة ويبلغون الشرطة بذلك... وعلى الفور حضرت وباشرت في معاينة الحادث... المعلومات عن المجنى عليهما كانت جاهزة على الألسنة... واضحة سيرتها الطيبة معروفة ... تمسكهما بالاخلاق والامانة ... رفضهما للفساد والرشوة والتستر عليها من مبادئهما ... بعض المعلومات التي حصلت عليها الشرطة من العمال بالمشروع اشارت الى حضور شقيق المقاول قبل وقوع الحادث بنصف ساعة ليتفاوض مع المجنى عليهما ويحصل على موافقتهما وإقناعهما على التوقيع على الكشف النهائي لقاء مبلغ رشوة لهما ... لكنهما رفضا ذلك وأصرا على إكمال النواقص وانصرف شقيق المقاول بعدها حيث اتصل بشقيقه هاتفيا وابلغه بما حدث ... وبعد نصف ساعة حضر المقاول الى مكان الحادث اثناء انشغال العمال بالمشروع ... توجه الى كرفان المهندسين ... حث دارت بينهما مناقشة حول نقاط الضعف في هيكل المباني ويجب اعادة الهيكل من جديد ... ختمها المقاول باخراج مسدسه واطلق منه الرصاص على المهندسين ليقتلهما في الحال ... ثم هرب من المحافظة متجها الى عمان ! .. بين صخور الجبال والرمال الحارقة ... تحت حرارة الشمس ... وسط الهدوء القاتل .. انطلقت رصاصات القدر لتهز المكان كله ... القاتل يغادر المكان ومسرح الجريمة وفي يده سلاحه ... لا يهتم بالقانون ولا برجال الشرطة ... المهم استلام السلفة النهائية للمشروع ... ولو ادى ذلك الى قتل المهندسين ... وهذا ما حدث .. ترك ضحيتيه جثتين هامدتين... غارقين وسط بركة من الدماء التي اختلطت بخرائط المشروع والحاسوب الذي سجل لحظات الجريمة ... مات المهندسان الشريفان ... وكم مات من قبلهما مهندسون شرفاء أيضاً ... لقيا هذا المصير نفسه ... ليضاف اسمهما الى قائمة الشرف ... شهداء الواجب ماتا دفاعا عن ضميرهما الطاهر وشرف المهنة ... ماتا لانهما قالا بأعلى صوتهما ... لا للتستر على الفساد الذي نخر عظام الدولة العراقية!