-2-
الفيلم إذن استعادة لمرحلة مهمة ومفصلية من السيرة الإبداعية لهذا المخرج ، وهي فترة تنفيذه لفيلمه الأهم "سايكو" منتصف العام 1959 وحتى عرضه في الصالات الأميركية نهاية العام 1960، فبعد ان قرا كتاب " روبرت بلوتش" الذي يحمل العنوان نفسه، يجد هيتشكوك فيه موضوعا لفيلمه القادم . وعلى الرغم من عدم الحماس الذي قوبل فيه حتى من زوجته التي وجدت في الرواية موضوعا مستهلكا ومطروقا وغير مثير، إلا أن تصوير هيتشكوك للرواية بشكلها الفيلمي أجج حماسته لتنفيذها فيلما، وهو الحماس الذي سيكون سلاحه في مواجهة تحديات إنجاز هذا الفيلم، ابتداء من الفتور الذي ووجه فيه من قبل الحاضرين المؤتمر الصحفي، مرورا برفض شركة بارامونت إنتاج الفيلم وليس انتهاء بشروط شكرة التوزيع، وليس انتهاء بالمشاكل التي صادفت العمل به.
المحور الأساس في الفيلم كما يبدو للوهلة الأولى هو علاقة المخرج الكبير مع زوجته الما ريفي، وهي العلاقة التي اكتنفها الشك والتباس القصد من جهة ، وعلاقته مع بطلات أفلامه وعقدة الشقراوات التي تثير غيرة الزوجة، وايضا الشك الذي يراود هيتشكوك نفسه من علاقة زوجته مع احد كتاب السيناريو ثم الدور الذي تلعبه الزوجة في إنجاز الفيلم ونجاحه المدوي من جهة أخرى. وبموازاة هذا المحور هناك محور اخر يتعلق كما أسلفت بتفاصيل تنفيذ هذا الفيلم التي يختزل طريقة هيشكوك في العمل لإنجاز الأغلب من أفلامه، وهو المحور الذي ينفتح على محاور جانبية أخرى لكنها مهمة في سياق عرض الأحداث.
فالمخرج يكشف لنا الحدس الذي قلما يخطئ لهذا المخرج العبقري، والمتمثل هنا في إصراره على افلمة كتاب بلوتش رغم الكثير من الاعتراضات لأنه وجد فيه أهمية ماسينجزه فيما بعد بوصفه فيلم الخلود المرتجى. وهو ما تحقق فعلا.. الجانب الآخر الذي نتعرف عليه هو المنهج الذي كانت تتبعه الشركات الكبرى بالتعامل مع مخرج من قامة هيتشكوك وبما تفرضه قوة المال من شروط ووصايا في التعاطي مع مواهب الصنعة السينمائية.. فعلى الرغم من تاريخ من النجاحات للمخرج وآخرها مع فيلمه (الشمال من الشمال الغربي) الذي أصاب نجاحا تجاريا كبيرا، إلا أن بارامونت ترفض تمويل "سايكو" بحجة عد اقتناعها بالقصة ، والتي يلخصها –اي هذه العلاقة- هيتشكوك في عبارة يقولها عندما كان يخوض المفاوضات مع بارامونت حول إنتاج الفيلم:" لقد جلبت لهوليوود ملايين الدولارات ومع ذلك يكرهونني " ... وهو ماسيضطره فيما بعد الى تمويل فيلمه بنفسه عندما يرهن منزله الفخم... والمشكلة الاخرى التي تبرز مع شركة التوزيع التي تتذرع بدورها بـ "قانون هايز" للرقابة الذي كان بمثابة سيف ديمقلس المسلط على الناتج الهوليوودي المشاكس ، وإن كان هو الإجراء الرقابي المخفف بعد أجواء المكارثية. ولان العنف والجنس كانت الماركة المسجلة لأغلب أفلام هيتشكوك ، كان من الطبيعي ان تصطدم بمثل هذا القانون.. الفيلم هنا يبرز ذكاء اللغة السينمائية التي يعتمدها هيتشكوك في المونتاج والموسيقى ، ولعبة الإيحاء التي هو خير من يجيدها في التحايل على شروط رقابة هايز الصارمة.
تداخل محاور الفيلم وخاصة العلاقة بين الزوجين التي وصلت أوج تعقيدها مع إنجاز فيلم "سايكو" ، مع الخوض في الجوانب الشخصية للمخرج: أسلوبه في الحياة والعمل، سخريته، وعلاقته مع بطلات أفلامه .. كل ذلك يضيء جانبا مهما من سيرة هيتشكوك، حاول المخرج جرفازي ان يقدمها وإن لم يصب الكمال في ذلك.
فـ "انتوني هوبكنز" رغم الشبه الكبير الذي كان عليه إلا انه لم يكن في أحسن حالاته، اضف الى ذلك ان المشاهد التي يظهر بها "ايد جاين" وهو القاتل العصابي بطل الرواية كانت مشاهد مقحمة ، ولم يكن عدم وجودها يخل بالسياق المنتظم للفيلم.. ولعل حماسة الزوجة في الثلث الأخير من الفيلم بعد مرض هيتشكوك وتدخلها بكل تفاصيل العمل وصولا الى إنجازه كان مبالغا فيه.
ولكن الفيلم الذي حاول مخرجه ان يكون بمستوى عبقرية فذة مثل هيتشكوك يزخر بالكثير من المشاهد المهمة والتي يتألق فيها بشكل خاص هوبكنز ، خاصة المشهد الذي يراقب فيه من شق الباب وجوه الجمهور أثناء العرض الأول للفيلم، وكذلك مشهد الحمام الذي يسقط فيه هيتشكوك حالته النفسية المضطربة عندما يأخذ السكين من يد البطل ليريه الطريقة الصحيحة في الطعن.
سيد الإثارة
[post-views]
نشر في: 9 يوليو, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...