ليس المطلوب ان تتطابق افكارنا هذه اللحظة، وليس علينا ان ننزعج كثيراً ونحن نرى تباعد امزجتنا واختلاف اولوياتنا، فهذا اقل ما يمكن ان يحصل في المحن الجسيمة والاهوال، لكن التاريخ لن يرحمنا اذا لم نلتقط خيط الاتفاق على ضرورة احترام مخاوف بعضنا البعض، وان نمتلك قرارنا لتعريف المصالح المشتركة، وتصميم تنازلات متبادلة، والحذر من نزوة الحرب قدر ما امكن.
بيانان او رسالتان قرأناهما في يوم واحد، الاولى من اربيل حيث وجه رئيس الاقليم رسالة الى الشعب العراقي والقوى الوطنية. والثانية "مبادرة سلام كبرى" اصدرتها نخب نجفية، لم تقتصر المساهمة فيها على العلمانيين والمثقفين، بل انخرط فيها رجال دين من عوائل لها وزن تاريخي.
النخب النجفية وضعت يدها على جرح كبير، ولسان حالها يقول ان هذه هي لحظة "التنازلات العظمى". والتنازلات الكبرى ليست شأناً يفعله الجبناء والمتخاذلون، بل امراً يخص كبار الفرسان. ايضا هي ليست حلماً مثالياً، بل سعياً يحترمه العقلاء، لجمع ما تبقى من حكمة، وحقن دم كثير في امة نزفت دماً اكثر من سواها.
النجفيون وفيهم المتدين والعلماني، ممن لا يطعن في موقفه، قالوا ان سوء ادارة الخلاف قامت بتحويل السياسة في بلادنا الى "عقوبة جماعية" وانتهت الى تسليم جزء من العراقيين الى داعش واخواتها. والدولة لا هي احسنت "البطش النظامي" ولا هي احسنت تدبير السياسة والحوار. النجفيون قالوا بصراحة ان المطلوب ان ندخل فصل سلام كبير، وان بدايته وقف شامل لعمليات الثأر والملاحقة، وان المطلوب تسامح مطلق يفتح صفحة جديدة، ويحاط بالضمانات المطلوبة، وعلى من يتردد ان يلجأ للشعب، عبر استفتاء ينظمه البرلمان بقانون. انه مقترح نادر في هذا الزمن. وتجاهل مثل هذا المقترح يعني ارتكاساً اعمق في مهزلة بلا نهاية. لاننا لم نجرب بعد الشجاعة التي تتطلبها لحظات السلام، رغم اننا جربنا كل اندفاعات الحرب والموت العبثي.
اما مسعود بارزاني فهو لم يطالب الاخرين في رسالته، بأن يتفقوا معه بالكامل فيما ينشب حوله النزاع، لكنه تحدث بمسؤولية كبيرة عن معنى بقاء العراق موحداً. القوة والبطش لا تبني اوطاناً، وان نجحت فلن يمر وقت طويل حتى ينهار كل شيء. الوحدة المستقرة تتطلب عقلاء، ينصتون للنصيحة، ويتمسكون بالالتزامات، ولا يشعرون بأنهم قبيلة قوية يمكنها سحق باقي القبائل الضعيفة.
بارزاني تحدث نيابة عن كثيرين، كرد وعرب، وحتى لو شعر كثيرون بانهم يختلفون معه في تعبيرات وجمل وصياغات ومواقف، لكنهم سيتفقون معه على ان العراق لا يزال شيئا يمكن انقاذه، بشرط كبير هو وضع حد لتبادل الشتيمة واهازيج التخوين، وإسكات المجانين، وانتقاء الحكماء ووضعهم في المقدمة، ليعملوا سريعاً، لان عجلة الزمن من حولنا تجري وتجري، وصورتنا جامدة مشلولة لا تتحرك.
بارزاني عرض علينا الصيغة الوحيدة التي يعتمدها البشر في المجتمعات المستقرة، لادارة خلافاتهم، ولاتزال الفرصة قائمة لوصل رغبته ورؤيته، بحكمة متعقلة في كلمات مقتدى الصدر العديدة، ومبادرات نخبة النجف، ومواقف معتدلين كثيرين ومؤثرين، سنة وشيعة ووطنين علمانيين، شرط ان نضمن اننا اصحاب القرار، وقد بتنا نشك في اننا اصحاب القرار، وهذا اكثر ما يجعلنا نشعر بالهلع هذه الايام، ما يتطلب تدبيراً اقوى وأسرع.
اسوأ ما يحصل هذه الايام ايضا، اننا لا نريد ان نسمع كلمة معتدلة عند "خصمنا" المفترض. اننا في كثير من الاحيان، نقوم بتكذيب الاشياء الجيدة التي يقولها، ونشكك بمبالغة، في نواياه، فندفعه دفعا الى رفض كل موقف مرن والذهاب الى اقصى التشدد. وها نحن ننجح في شيطنته بالكامل. ولانه سيرى الابواب مسدودة، فلن يمانع ان يلعب دور الساخر من خيارات التعقل. حينها سيقول لك بضرس قاطع: حاولت معهم، لكنهم لا يريدونني الا شيطاناً، كي تكتمل حفلة الجنون. وها انا افعل ما يريدون.
من النجف وأربيل ثانية
[post-views]
نشر في: 9 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
farid mohamad
الأخ سرمد المحترم أني على ثقة تامة لتألمك الواضح خوفاً على ضياع العراق وهذا شأن الوطنيون العراقيون بلا شك وليس الخوف على التجربة البائسة ربيبت الأحتلال شئنى أو أبينا التي لم تعد بهيكليتها وشخوصها الوافده أملاً لأبسط أشكال الديمقراطية بل التحكم بوسائل ا
ابو سجاد
ياسيدي تتحدث عن المصالحة واحتواء الاخر بالتعقل من اجل بناء وطن وتنسى ان العراق ليس له ارادة سوا ارادة الاخرين من الدول الاقليمية وغيرها وسيبقى مسلوب الارادة وهذا هو تاريخ العراق ساحة تصفيات والحرب بالنيابة
عراقي
وان المطلوب صفح مطلق يفتح صفحة جديدة. نعم يجب ان تكون هذه نقطة البداية الجديدة وحتى تنجح الخطوة الأخطر ربما يجب إكمال حزمة نجاحها ، من خلال إطلاق حوار مجتمعي لصياغة مشروع وطني حقيقي يتحمل الشعب تبعيات فشله، بعيد عن السياسيين ومكتسباتهم التي بات لزام عليه