عشية الاستحقاق الدستوري، المتمثل بأداء الرئيس السوري القديم المتجدد بشار الأسد، اليمين الدستورية لولاية رئاسية ثالثة، يبدو مُؤسفاً أن دمشق لم تستوعب جيداً، دروس السنوات الثلاث من عمر المواجهات بين النظام ومعارضيه، يتمثل ذلك في عودة الإعلام الرسمي المتعثر، عن الإشادة بالجيش السوري وبطولاته، باعتباره صاحب الفضل الأول والأخير، والانصراف عن تمجيد الوحدة الوطنية والخط المقاوم والممانع، إلى تأليه الرئيس وعبادة الفرد، رغم أن الدخول في ولاية ثالثة للأسد، لا يعني أن سوريا خرجت من عنق الزجاجة، بقدر ما يعني أن دولاً أخرى انحشرت معها، في حين وُلدت دولة الخرافة العابرة للحدود والقوميات، والطامحة إلى حكم العالم.
معروف أن معارضي الأسد في الائتلاف الوطني، يعيشون ظروفاً صعبة صنعوها بأيديهم، من خلال تكالبهم على المواقع والامتيازات، وتصارعهم على جلد الدب قبل اصطياده، وأنهم باتوا تبعاّ لذلك "لا في العير ولا في النفير" ومجرد أسرى بيد من يمولهم، أو يستخدمهم لتحقيق مصالحه، بغض النظر عن مصالح الشعب السوري، لكن الصحيح أيضاً أن هناك معارضين خارج أطار هذا الائتلاف، بعضهم ينضوي تحت رايات الجهاد الإسلاموي، وبعضهم يلتزم بكونه معارضاً من الداخل، والأخطر من الاثنين نبت الشيطان الداعشي، الذي وسع نطاق عملياته لتشمل مؤيدي الأسد في الحكومة العراقية، حيث أحرز هناك "انتصارات" خرافية، أفضت إلى صعود خليفة المسلمين الجديد منبر المسجد الكبير في الموصل، طالباً البيعة من الجميع، مهدداً الممتنعين بحكم السيف بينه وبينهم.
لم يُحرز النظام السوري النصر المؤزر، وحتى لو أحرزه، فإنه لم يكن مدعواً لخيار لغة الكسر والتحطيم، وبدلاً منها كانت لغة المصالحة أنسب له قبل غيره، خصوصاً وهو يتجه لتشكيل حكومة جديدة، كان الأمل أن يشارك فيها رموز من معارضي الداخل والخارج، ولم يكن مرفوضاً أن يتم ذلك بوساطة إيرانية، نعرف سلفاً أن جماعة الائتلاف سيرفضونها، لكن رفضهم لن يكون مؤثراً، بعد أن أخرجوا تنظيمهم بحكومته وعسكره وسفرائه من دائرة الفعل، وتحول هيكلهم إلى مجرد أداة لمناكفة النظام لصالح أعدائه، وليس لمصلحة الشعب السوري، وإذا صحّت الأنباء عن قرب انسحاب جماعة الإخوان منه، ومعهم بعض المستقلين، فإنه لا يحتاج عندها غير قراءة الفاتحة، والمؤكد أنه ليس من مصلحة النظام ولا سوريا، أن يتم اليوم تحكيم العقلية الضيقة والاقصائية، ومنع النظام من المبادرة والاحتواء، ما يعني فقدان الأمل بالاحتكام إلى العقل، من خلال مبادرة سياسية، ستكون من موقع القوة التي يحققها النظام على أكثر من جبهة.
خطيئة النظام الكبرى، ستكون استمرار الوهم بأن اللجوء للحلول العسكرية دون غيرها، يمكن أن يحسم المشهد بحلول نهاية هذا العام، ذلك أنه مع كل ما يحيط بمعارضيه من تخبط، فإنهم لم يفقدوا القدرة نهائياً على إدامة المعارك، وإن بوتائر أقل، ولسنوات طويلة تحتاجها سوريا لإعادة البناء ودوران عجلة الحياة، خصوصاً إن أخذنا بالاعتبار، أن نيران الحرب التي أشعلتها داعش في العراق، واستقطبت العديد من مناوئي المالكي، مرشحة لإبقاء الملف العراقي مفتوحاً على مزيد من سنوات عدم الاستقرار والمواجهات الطائفية، أما إن استمرت حرب سوريا بعبثيتها، حيث تتناقض مصلحة الحكم مع مصالح معارضيه، وبينهما "دولة الخرافة"، في ساحات ليس فيها غير الدم والدمار، فإن الشعب السوري سيواصل دفع الثمن، في حين تتخشب لغة إعلام النظام، وتستعيد بجدارة سيرة عبادة الفرد، متجاهلة أن ذلك واحد من أسباب ما جرى في بلاد الشام.
سوريا.. جديد يتقادم أم قديم يتجدد؟
[post-views]
نشر في: 11 يوليو, 2014: 09:01 م