مع إسدال بغداد جفونها بعد منتصف الليل تكون سماء ملعب ماراكانا ملتهبة بالألعاب النارية ابتهاجاً بتتويج بطل مونديال البرازيل الذي يتصارع على لقبة العشرين اثنان من عمالقة الكرة العالمية (الأرجنتين وألمانيا) اللذين واصلا مشواريهما بانضباط عالٍ واستقرار فني يحسدان عليه بفعل التجارب العتيدة التي مرّا بها طوال مشاركاتهما في كؤوس المونديال.
أقلّ من 20 ساعة ونتعرف عن هوية البطل 20 بعد معارك كروية طاحنة سرقت الأضواء من الحياة العامة على سطح الأرض ، فالمونديال البرازيلي جاء متزامناً مع أحداث سياسية واقتصادية وحتى كوارث إنسانية يشيب لها رأس الصغير قبل الكبير ومع ذلك تبقى برازيليا تستحوذ على كل الحدث الأبرز في نشرات الإخبار اليومية لما لنتائج المنتخبات المتضاربة من وقع صادِم للشعوب كأنها تخسر معارك المصير وتنكّس لها الأعلام ويضرب المواطنون عن الطعام حزناً لخيباتهم..وما أكثرها.
وقريباً من معركة البطلين الألماني والأرجنتيني، فإن الأنظار توجه لمدربيهما اليوم، ماذا أعدّا من خطط وأساليب وبدائل للطوارىء ؟ فالمباراة النهائية تحتمل سيناريوهات عدة ومفاجآت محتملة تصل بالمنتخبين إلى نقطة الحسم التي يتوقع أن تكون عبر ركلات الجزاء الترجيحية نظراً لقوة اللقاء والإرهاصات التي سبقته وترافقه ومستوى التحدي بين اللاعبين ، فضلاً عن رغبة كلا المدربين لوف وسابيلا استعادة أمجاد بلديهما حيث غابت ألمانيا عن أجواء الاحتفال بالكأس منذ عام 1990 وكذلك بالنسبة للأرجنتين التي توجت باللقب آخر مرة عام 1986. الحسابات ليست معقدة في معسكري المنتخبين، وكأن كلاً منهما حفظ حركات الآخر عن ظهر قلب ولم يعد هناك شيء في الخفاء إلاً ما تحمله أجندة المدربين من أسماء بديلة مكلفة بأدوار محددة ربما لديها القدرة على إنهاء آمال المنافس بإنصاف الثواني أو الاستمرار في لعبة دفاع المنطقة لقتل الوقت مع الاستفادة من الفرص المتاحة كلما كسرت الهجمات الجادة رتابة اللعب إذا ما عجز أي منهما عن هز الشباك والنأي عن تسليم مصيره لركلات الجزاء في صندوق (الموت المفاجئ( !
وبخلاف الصراع الدائر بين تشكيلتين والعقلية التي تدار بهما المباراة، يبقى الصراع الأبرز بين اللاعبين ميسي ومولر هما الأكثر جذباً لأنظار المراقبين إعلامياً وجماهيرياً فهناك سباق محموم بينهما للظفر بهدف الفوز بالرغم من الرقابة العنيفة التي سيطوقان بها حتى لو كلف الأمر نيل الكارت الأحمر باعتبارها المباراة الأخيرة في البطولة ، فترك هذين النجمين في أية لحظة بمثابة إهمال إبطال "لغمٍ" ينسف الآمال المشروعة ويقتل أحلام الفقراء.
أما انتم يارجال الظل - منظمو البطولة - فكم صبركم جميلاً على ديمومة نجاحها حتى رمقها الأخير بالرغم من حسرتكم على فشل منتخبكم بالمحافظة على هيبة السليساو بالتواجد في النهائي التاريخي اليوم لتتويج الجهود وتعويض الأموال المليارية بانتزاع الكأس الذهبية والطواف بها في شوارع برازيليا ، ريو دي جانيرو ، بيلو هوريزونتي ، فورتاليزا ، ريسيفي ، سلفادور ، ساو باولو ، كوريتيبا ، ماناوس ، كويابا ، بورتو أليغري وناتال تلك المدن التي ازدانت طوال شهر كامل بضيافة مباريات المونديال وكان سكانها يمنون النفس أن تكون الخاتمة مُبهرة ليستكملوا الاحتفال التاريخي بالحصول على اللقب السادس لكنهم بدأوا بإزالة آثار الزلزال الألماني المدمّر الذي ضربهم 7 مرات تأهباً لحياة جديدة ما بعد المونديال المنحوس.
وبغض النظر عمّن سيتشرف بدخول تاريخ كأس العالم من البوابة العشرين بطلاً بمقاييس النتائج والأداء والأخلاق ، فإن الكرة العربية مطالبة منذ اليوم بعقد جلسات تحليلية لمناقشة مجريات البطولة من 12 حزيران لغاية 13 تموز الحالي ، وما الأسباب الحقيقية التي أدت إلى خروج منتخبات لها أرث كبير في المونديال خالية الوفاض؟ ثم يتم رفع توصيات التحليل إلى اتحاداتها الوطنية لتأشير ما يمكن الاستفادة منه على صعيد تأهيل منتخباتها للبطولات المقبلة.
وحتى مونديال روسيا 2018 .. كل عام وكرة العالم توحّد البشرية على هدفي المحبة والاحترام.
وداعاً مونديال الزلازل
[post-views]
نشر في: 12 يوليو, 2014: 09:01 م