جمهور يقل او يكثر، واصدقاء او معارف، يبدون اسفهم حيالي وحيال اخرين من امثالي، لاننا لم ننخرط في "الموقف السائد" جنوب بغداد. ومثلهم يبدون استياءا مشابهاً لانني لم انخرط في الموقف السائد شمال بغداد. والمحنة العميقة بحجم قلق غير مسبوق، تصوغ العواطف بتعسف احياناً، كل العواطف، فيقوم الجمهور بنصب "نقاط تفتيش" للتأكد من وطنيتنا.
وقد لا انكر حق الجمهور في ساعات محنته ان يفتش في صفوفه عن "المنشقين"، لانه مصاب بالهلع، وفي ساعات الهلع يعتبر الناس التسامح، امراً ترفياً.. والأناة سوء تقدير. وقد لا انكر انني راغب بشدة في ان اكون "وطنياً حتى العظم"، ومن ذا الذي لا يرغب بالتضامن مع اهله والتصفيق في اعراسهم؟ لكن لدي ولدى كثيرين، مشكلة واحدة تقف دون تحقيق هذه الرغبة. وهي ان هناك اكثر من معيار للوطنية في هذه اللحظة، واكثر من "عرس" تتعارض وتتضارب وتبقينا محتارين، ففي اي حفل نشارك و"الافراح وفيرة"؟
انها ليست حيرة حسابية ولا فلسفية، لان الامور اوضح من ذلك، بل هي نوع معقد من الشعور بالخذلان المتواصل. لقد كانت الامور مبينة النهايات، ولم نبخل بنصيحة الى طرف. وقيل لنا اننا نبالغ، ونتشاءم، ونحاول تخريب العرس.
طلبوا منا قبل سنة ان نثبت "وطنيتنا" عبر التبرؤ من ساحات الاعتصام. فقلنا اننا نفضل الضغط على الكبار لينصتوا، ويحاوروا الغاضبين. فغضب علينا بعض الجمهور لاننا لم نصفق لصالح سحق الاعتصامات. وبدل ان يقولوا الان ان الدعوة للحوار والتهدئة كانت على حق، يروق للبعض ان يعتبر صعود داعش، نتيجة لتردد بعض المعلقين امثالي، عن ادانة الاعتصامات في المنطقة الغربية!
اما اليوم فيطالبنا جزء من الجمهور بالتبرؤ من سياسات اربيل، وبالمنطق القديم ذاته نظل نحن مؤمنين بان انقاذ الموقف لا يزال ممكنا، لو بدأ حوار شجعان ووضعنا حداً للقطيعة الصامتة المخيفة.
وقبل ان يدعونا هذا الجمهور الى التبرؤ من السنة والاكراد، او قياداتهم السياسية، كانوا يدعوننا ايضا الى التبرؤ من تركيا والسعودية والكويت وقطر والاردن واميركا وبريطانيا وبابواغينيا الجديدة.. هل بقي عرس آخر لم نشهده؟
ان الحفلة على اشدها، وفي وسعنا الانخراط في التصفيق، وبحرارة، خاصة مع مالكي حصة الاسد من عوائد النفط والمصالح. ولم نكن غرباء عنهم او نواجه صعوبة في الوصول اليهم وضمان مكاسبنا في ولائمهم. ولكن بقينا نحسب ان قاعة الحفل امتلأت بالمصفقين واهازيجهم، الى درجة انكم يا سادة لستم بحاجة الى تصفيقنا. هل احلف لكم بأقدس نخلات البصرة، وشواطئ دجلة والفرات، ان آخر ما تحتاجون اليه اليوم هو تصفيقي لحماسكم واندفاعكم وأنتم توزعون ألقاب الخيانة ولا تتركون صديقاً ممكناً ولا لحظة مراجعة؟
الا تشعرون بأن على بعضنا ان يجلس خارج الحفل ليتساءل حول السر في هذه العداوات المتناسلة، ضد تركيا والسعودية والكويت وقطر والاردن و... ساسة نينوى واربيل، ويضيف بعضهم ان علي لاكون وطنياً، ان ألعن الصدر والحكيم والجلبي، مع قائمة طويلة من الساسة، الذين لا يزالون يؤمنون بأن وقت الحوار لم ينقض، وان انعاش التسوية السياسية امر ممكن، فالامة منهكة لا حاجة لها الى سلة العداوات الكبرى هذه.
لستم بحاجة الى تصفيقي، واتمنى ان تكونوا على حق، لكنكم ستظلون بحاجة الى سماع وجهة نظر اخرى، منا نحن الذين نحرص على التواصل مع الجميع، ونعتقد ان من حقنا ان نختلف كثيراً، دون قطع لحبال الوصل، وان نحلم بلحظة تجعلنا متحضرين، اي اقوياء ومستعدين لشجاعة المحارب، وفي نفس الوقت لشجاعة المحاور الواثق من نفسه، القادر على رؤية الطريق.
انكم تجربون طريقة جربتها البلاد مراراً حين تسلحت بالعناد، فتاهت في البارود والدخان. بينما يحاول اخرون عدم الانخراط في حفلات الحماس، وتلمس سبيل آخر، كذلك الذي تحدث عنه احمد الجلبي ليل الخميس، بمسؤولية عالية. حفلتكم ليست بحاجة الى تصفيقي.
تحتاجون تصفيقي
[post-views]
نشر في: 12 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
عبد الباسط الراشد
لا الومهم في الطلب منك ومن امثالك ذلك, فعندما تتعالى اصوات الزاعقين, والناهقين, والنباحين, الافاكين والافاقين, اللصوص ومزوري الشهادات والجوازات, القادمين من كهوف التخلف والانحطاطو يحملون معهم عفن ونتنانة كتبهم الصفراء من سراديب المؤامرات والغدر , عندها تص
عبد الباسط الراشد
لا الومهم , فعندما تعلو اصوات الزاعقين و الناهقين والنابحين, وعندما يؤل الامر الى الافاقين والافاكين , اللصوص ومزوري الشهادات والجوازات , عندها يصبح صوت العقل والحكمة نشازا في غابة الجهل والتخلف والانحطاط .