TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هل للفنان ان يتباهى بشهادة الدكتوراه !؟

هل للفنان ان يتباهى بشهادة الدكتوراه !؟

نشر في: 14 يوليو, 2014: 09:01 م

هل سمعتم يوماً ان مخرجاً مسرحياً كبيراً مثل (بيتر بروك) أو (جيرزي غروتوفسكي) أو (ستارنسلافسكي) أو (ميرهولد) و مخرجاً سينمائياً مثل (هيتشكوك) أو (سبيلبيرغ) أو فيسكونتي) و ممثلاً عظيماً مثل (لورنس اوليفيه) أو (سموكتنوفسكي) أو (داستن هوفمان) ومصمماً مبتكراً مثل (زفوبودا) أو (غوربليك) أو (شون كيني) و موسيقياً مثل (كورساكوف) أو (شوبرت) أو (فاغنر) أو (شوبان) أو (محمد عبدالوهاب) و رساماً مثل (دافينشي) أو (سلفادور دالي) يحمل شهادة الدكتوراه؟!
كلا ابداً بل ان هناك دارسين كثر يعدون البحوث العلمية والرسائل الجامعية حول اعمال أولئك المبدعين.
لايحتاج الفنان المبدع في حقله الى شهادة اكاديمية تثبت جدارته، فان هذه الجدارة يثبتها عمله الفني ومدى الابتكار فيه، اما شهادة الدكتوراه فهي مخصصة للعمل الجامعي وللتدريس لا للعمل المهني الفني واذا أراد ان يتباهى الفنان فليفعل ذلك عندما يحقق انجازاً فنياً له قيمة وله أثر.
أجيء بهذه المقدمة لأنني لاحظت في الآونة الاخيرة ان اقسام الفنون الجميلة في البعض من جامعاتنا راحت تمنح درجة الماجستير في عدد من الاختصاصات الفنية المهنية وتمنح درجة الدكتوراه ايضاً في (الماكياج) أو في (الأزياء المسرحية) أو في ( المناظر المسرحية) أو في (الاضاءة المسرحية) أو حتى في (التمثيل) أو في (الإخراج) وربما في (التأليف المسرحي).
وأكاد اجزم ان ليس هناك من جامعة او كلية أو معهد في العالم يمنح مثل تلك الدرجات في تلك الحقول المهنية بل تعطي بدلاً من ذلك (دبلومات) اعترافاً بالمنجز الفني للمتخرج في الولايات المتحدة الامريكية وتساوقا مع شهادة الدكتوراه في حقول الأدب المسرحي والنقد المسرحي وتاريخ المسرح وكلها ذات موضوعات تعتمد على التنظير اكثر من اعتمادها على التطبيق.
اقول وجدت جامعاتنا حلاً وهو منح شهادة الماجستير في الفنون الجميلة كونها أعلى شهادة في الاختصاص المهني وهي معادلة للدكتوراه ويستطيع حاملها ان يعمل في المجال المهني او في المجال الاكاديمي او في الاثنين معاً.
ماذا تفيد الفنان شهادة الدكتوراه عندما يخرج مسرحية او يمثل دوراً رئيسا فيها او يصمم مناظرها اذا لم يمتلك الموهبة والخبرة الفنية، قد يرد قائلاً: ان الشهادة تفيد الفنان في توسيع ثقافته ولكن أقول انه يستطيع ذلك من غير حاجة الى الشهادة ايضاً.
هنا في العراق ما زال الفنان يشعر بأنه من الفئة الدنيا في المجتمع وان الكثير ينظرون اليه نظرة استصغار او ربما ازدراء وحتى اولئك الذين يتمنون التقرب اليه ويظهرون احترامهم له فانهم يضمرون في دواخلهم نظراتهم الدونية له، وهنا أتذكر الممثل (فاسيلي فاسيليفتش) في مسرحية جيكوف (اغنية التم) التي قمت بتمثيل دوره عدداً من المرات، وكيف يظهر نقمته على اولئك الذين كانوا يتقربون منه ويحتفون به عندما ينجح في تمثيله للأدوار العظيمة، ولكن الفتيات اللواتي عشقنه يرفضن الزواج منه لكونه ممثلاً، ولذلك بقي عازباً لابيت له ولا زوجة ولا اطفال عندما شاخ واضطر لان يعمل مهرجاً في احدى القرى الروسية، واتذكر هنا ايضاً الممثل الهزلي (جعفر لقلق زاده) الذي كان يقدم مقطوعاته الكوميدية في الملاهي الليلية وكنا ننظر اليه نظرة احتقار لانه يعمل في مثل تلك الأماكن الموبوءة بنظرنا، وعندما كتب الكاتب المسرحي عادل كاظم مسرحيته (نديمكم هذا المساء) ومثلت دور ذلك الممثل الهزلي، اعترضت على الكاتب تقديره لجعفر لقلق زاده واعتبره مناضلاً وطنياً يرفض الاحتلال والاستعمار فرد علي قائلاً "انني بذلك اريد ان ارد الاعتبار للمثل بصفته فناناً شعبياً و مواطناً مخلصاً لوطنه."
عندما شاهد المسؤولون في حكومة العهد الملكي الأستاذ الراحل (حقي الشبلي) وهو يمثل مع احدى الفرق المصرية الزائرة اعجبوا بتمثيله وقرروا إرساله في بعثة لتعليم هذا الفن الرفيع ، وعندما عاد (الشبلي) من بعثته في باريس أسس فرع التمثيل في معهد الفنون الجميلة أوائل الأربعينات من القرن العشرين وتخرج من الفرع عدد من الممثلين ومن عوائل محترمة واثبتوا جدارتهم في حقل اختصاصهم وتميزوا في ابداعاتهم نذكر منهم على سبيل المثال (ابراهيم جلال) و(جعفر السعدي) و (بدري حسون فريد) وآخرين، وكلهم لم يكونوا يحملون درجة علمية عند تخرجهم من المعهد ومع ذلك نالوا احترام الكثير من المواطنين، ولكن عندما دعت الحاجة الى ان ينتمي المذكورون اعلاه الى سلك التدريس في كلية الفنون الجميلة اضطروا الى الدراسة مرة اخرى للحصول على درجات علمية ومع ذلك فقد ظلت شهرتهم متعلقة بموهبتهم وبمهنهم كممثلين لا كأعضاء هيئة تدريس، واستغرب كثيراً عندما يشعرك احد حاملي الدكتوراه بتمثيل دور في مسلسل درامي تلفزيوني ويذكر شهادته مع اسمه، ولا ادري كيف يتناسب (الدكتور فلان) مع دور (فراش في دائرة حكومية) أو (عامل في مصنع للنسيج)؟؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: أحلام المشهداني

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

قناديل: بغدادُنا في القلب

عنوانان للدولة العميقة: "الإيجابية.. و"السلبية"

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram