TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > كيف كتبت نجمة البتاويين؟

كيف كتبت نجمة البتاويين؟

نشر في: 24 إبريل, 2010: 04:53 م

شاكر الأنباريكتبت رواية نجمة البتاويين في الدانمارك، واستغرقت في كتابتها شتائين وصيفين، حيث كنت أجلس كل ليلة الى كومبوتري الشخصي لأسترجع السنوات السابقة التي عشت فيها ببغداد بين عام ألفين وثلاثة وألفين وستة. وهي مرحلة كانت فاصلة في تاريخ العراق.
كل ليلة أعود بروحي الى شخصيات عرفتها، وأحداث كنت شاهدا عليها، وأماكن ظلت راسخة في ذاكرتي، أبصر شبابيكها وواجهاتها، وأشم روائحها، وأتكهن بغرائبها. ورغم أن شخصيات الرواية ليست واقعية، الا أن فيها أصداء من أصدقاء، ومعارف، وأسر، كلها دخلت في مطبخ الرواية بهذا القدر من التخييل أو ذاك. أبطال الرواية يعيشون في بغداد، بروح عدمية تتناغم مع الواقع الثقيل الذي ساد في منتصف العقد الأول من الألفية الثالثة، يمتصون حياة بغداد بقوة، يحلمون ويناقشون الأحداث التي تصاعدت لتصبح كابوسا يقود في كثير من الأحيان الى الموت أو الاختطاف. تبدأ الرواية بترتيبات رحيل عن البلد، واستذكارات لسنوات من الخوف والعشق في أماكن لا يتوافر فيها سوى الاشاعات، والخمر، والسيارات المفخخة، وفي مدينة تنام شوارعها  منذ الخامسة مساء، لتنطلق بعدها قوى مجهولة تعيث فيها قتلا وفسادا وتهجيرا. الروح العدمية تلك يفرشونها على موائد الخمرة في شقة تقع في حي البتاويين، أطلقوا عليها اسم النجمة، وهو لغز لا يعرفه سواهم، وكانت النجمة مكانا لمعاشرة البغايا، والحوارات عن شؤون البلد، ومراقبة حيواتهم اليومية هم المرتبطون بأسر وأقرباء، وسيطهم مع العالم الخارجي كان الموبايل في أغلب الأحيان. هو الذي يجيء لهم بأخبار الانفجارات، والاختطافات، وهو خيطهم اللحظي مع زوجاتهم وأبنائهم، وكأن الحياة التي يحيونها تتحرك عبر الموبايل فقط. شارع المتنبي، وحدائق أبي نواس، وسوق الشورجة، وشارع السعدون، هي مدارات لحركة علي محمد أمين وعمران المهندس، وأبو حسن، وربيع المحمدي، وغيرهم من شخصيات. اما شقة النجمة فكانت اشبه بمرصد لرؤية الحرائق التي تتصاعد من أبنية بغداد ومصفى النفط الواقع في منطقة الدورة، وهي الطريق الذي يقودهم بعد اختطاف صديقهم عمران المهندس الى عالم بغداد السوريالي، رغم واقعيته. وفي منتصف هذا الزمن الدائري تتبأر الأحداث والشخصيات عند هذا الحدث، اختطاف عمران، فمصير صديقهم هو مصيرهم جميعا، وهو حياتهم الطبيعية التي اختطفها الواقع المتغير، انهيار دولة، جيوش احتلال، وعصابات العالم السفلي في بغداد، والأحلام المجهضة في شوارع تتآكل مثل العاصمة ذاتها. انها رواية عن بغداد، وتحولاتها، شارع الرشيد، وشارع النهر، وحي البتاويين الذي تقطنه جاليات عربية فقيرة، وعاهرات أيام زمان، وصار متحفا للحانات القديمة، والأبنية التاريخية، والشخصيات الهامشية. مشكلة الكتابة الروائية هي أنها تتطلب فسحة من الهدوء والتأمل، لكي يستطيع الكاتب أن ينفض عن خياله الواقع فلا يستنسخه، وهذا ما لم يكن متوفرا لدي ككاتب. انا اعيش في كوبنهاغن، وعائلتي في دمشق، وأهلي في العراق، استخدم العربية في الكتابة فيما كان المجتمع الذي اعيش فيه يتكلم لغة أخرى، وهي منغصات لا يدرك صعوبتها الا من عانى منها. عدا ذلك كان لاسترجاع الجو البغدادي لفترة الأحداث مؤلما، لأنني كنت اضعه أمامي، مقلبا فيه الفكر، محللا تفاصيله وأبعاده، خاصة الشخصيات. هي كانت تعيش في جحيم تلك الفترة، مما وضعني أنا نفسي في الجحيم ذاته. لقد ساعدني جدا بعد المسافة عن البلد على التعامل بحيادية، بعض الشيء، مع الشخصيات والأحداث، لكن من جانب آخر جعلتني نجمة البتاويين على تواصل روحي مع الوطن على مدار سنتين، شعرت خلالهما أنني لا استطيع العيش في أي مكان آخر سوى العراق، رغم ادراكي العميق لخطورة مثل هذا الشعور، وصعوبة تحقيقه.* نجمة البتاوين تاليف شاكر الانباري الناشر دار المدى

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram