كنت قبل سنوات في سوبر ماركت في كاركاسون، أبحث عن كتاب أقرأه في العطلة. و لاحظت ثلاثية " الألفية Millennium " على قائمة الأفضل مبيعاً. تلك كانت الفرصة الأولى التي عرفتُ فيها ثلاثية الكاتب السويدي الراحل ستيغ لارسون، المتّسمة بالإثارة. والآن أصبحت قصة
كنت قبل سنوات في سوبر ماركت في كاركاسون، أبحث عن كتاب أقرأه في العطلة. و لاحظت ثلاثية " الألفية Millennium " على قائمة الأفضل مبيعاً. تلك كانت الفرصة الأولى التي عرفتُ فيها ثلاثية الكاتب السويدي الراحل ستيغ لارسون، المتّسمة بالإثارة. والآن أصبحت قصة المؤلف مشهورة كشخصياته. فقد مات في عام 2004 فجأةً، عن 50 عاماً، بعد أن سلَّم نص ثلاثيته للناشر. و كان لارسون رئيس تحرير مجلة Expo المضادة للعنصرية، و خبيراً بالمنظمات المعادية للديموقراطية، و النازية، و اليمينية المتطرفة. و قد استخدم هذه الخلفية إلى حد التأثير الجيد في خلق مجلة " الألفية ". كما استخدم معرفته بالـ SAPO، الشرطة السرية السويدية، و بالتدافع نحو موقفٍ بعد نهاية الحرب الباردة بين أوروبا و روسيا.
و الأولى من هذه الثلاثية، ( الفتاة ذات وشم التنين )، هي التي قدّمت للقراء ليزبيث سالَندر. و هذه الخبيرة اللامعة في مجال الكومبيوتر ، امرأة مستعدة لاستخدام العنف لتحقيق غاياتها، و عضو لجنة اقتصاص لا إيمان لديها بالسلطات، و نعلم تدريجياً أنها ضحية إخفاق كبير في العدالة. و هي أيضاً ابنة مرتد روسي مضطرب العقل و قاسٍ، اسمه زالاشينكو، تُعتبر أهميته الملحوظة بالنسبة لأمن الدولة ذات مغزى أكبر من حقيقة كونه من المعروفين بالإساءات و ضرب الزوجات. و في سن 13، يُعلَن أن سالندر مخبولة و يتم احتجازها بعيداً في وحدة للعلاج النفسي من أجل منعها من العصف بغطاء أبيها.و في الكتاب الثاني من الثلاثية، ( الفتاة التي لعبت بالنار )، يطوّر المؤلف هذه الموضوعات المتعلقة بالإساءة للسلطة القانونية، و مبدأ الثواب و العقاب و الديون التي يجري دفعها، و العدالة الفظّة في كل مكان، و ينهيها بلقطة غير عادية تُدفَن سالندر خلالها حيةً.
و نأتي الآن إلى الكتاب الثالث، ( الفتاة التي رفست عش الزنابير )، و سالندر تكافح من أجل حياتها في العناية المركَّزة، و أبوها مضطجع على بعد أبواب قليلة في الممر نتيجة الجراح التي أصابته بها سالندر نفسها. و على امتداد الرواية، تُطرح الأعمال الخفية للشرطة السرية السويدية عاريةً، كما هي الحال مع الوقائع الوحشية لعالم الصحف و لاأخلاقية البعض في السلطة. و تخترق السردَ الموضوعة المتعلقة بكيف يمكن للكلمات أن تكون قوةً للعدالة؛ و تستمر لتتطور قصة " الألفية "، التي تعمل من أجلها شخصية لارسون الأخرى، صحافي الحملة الدعائية، مايكل بلومكفيست.
و هكذا، فهل هذه هي الذروة التي يريدها المعجبون للثلاثية؟ لقد أوجد لارسون بارقةً، رواية يمكن القول إنها معقدة، مُرضية، ذكية، و أخلاقية. و يكمن في لبّها السؤال عما إذا كانت القوى التي تحاول تدمير سالندر، من أجل حماية أنفسها، سوف تنتصر أم لا؛ عما إذا كانت العلاقة المتوترة بين بلومكفيست و سالندر يمكن إصلاحها؛ و عما إذا كانت محامية الدفاع المختارة لتمثّلها ــ أخت بلومكفيست، جاياني ــ ستكون قادرةً أم لا على تكوين قضية.
و هناك، باستمرار، إحساس بالجزاء، إضافةً إلى اتجاه أدق يعاين كيف يختار المجتمع لمعاملة أولئك الذين لا يفهمهم؛ و كيف يُحدَّد الجنون؛ و كم هو سهل النظر ناحيةً أخرى. و تعني الانعطافات و الالتفافات الذكية أنه لأمرٌ بعيد استنتاج أن سالندر ستتقدم بشكوى إلى المحكمة.
و تظهر النساء على هذه الصفحات كلاعبات مساويات ــ شرطيات، محاميات، صحافيات ــ و ليس مجرد صديقات فاتنات أو ضحايا، كما هي الحال في بعض روايات الإثارة. و الأفضل من ذلك كله، أن ليزبيث سالندر الصعبة الخرقاء، التي تشعر بالإحباط أحياناً من رفضها قبول المساعدة من أولئك الذين في جانبها، تسير ببطء خارجةً من ظلالها إلى النور.
و في الصفحات الخمسين قبل النهاية، يُجمل بلومكفيست طبيعة تجربة سالندر : " حين يصل الأمر إلى ذلك، فإن هذه القصة أساساً ليست حول جواسيس ووكالات حكومية سرية؛ إنها حول العنف ضد النساء، و حول الرجال الذين يمكّنون من ذلك. " و هذا الهدف الأخلاقي، إن شئتَ، هو الذي ينأى بثلاثية لارسون هذه عن معظم روايات الإثارة. فليس هناك عنف خلاعي لتنشيط فصلٍ باهت من فصولها، و لا تقنية عديمة الفكر، و إنما كل شيء منسوج سويةً مع الهدف، و في سردٍ مقبول. إنها رواية كبار لقراء كبار، يرغبون في شيء ما أكثر من ورطة سريعة و مطاردة سيارات. و هذا ما يفسر لماذا تُعد ( الألفية ) من ظواهر النشر بشكلٍ سليم على مستوى العالم، كما تقول كيت موس في عرضها للكتاب الثالث من ( الألفية )، التي بيع منها أكثر من 73 مليون نسخة حتى نهاية عام 2012على الصعيد العالمي.
عن: The Guardian