TOP

جريدة المدى > عام > فيلهلم رايش للرجل الصغير: أنت تغدق على الأقوياء المزيد من القوة

فيلهلم رايش للرجل الصغير: أنت تغدق على الأقوياء المزيد من القوة

نشر في: 20 يوليو, 2014: 05:27 ص

تعالى صراخ المواطن المهمش في العراق وهو يغالب تهميشه منذ أسطورته الموغلة في القدم حتى السقوط المتكرر لدولته الحديثة.تناسخت الدولة العراقية الحديثة منذ الرابع عشر من تموز عام 1958 مع فرق واحد هو: تصاعد عنف هذه الدولة ضد مواطنيها، رغم أن شعارات الدولة

تعالى صراخ المواطن المهمش في العراق وهو يغالب تهميشه منذ أسطورته الموغلة في القدم حتى السقوط المتكرر لدولته الحديثة.
تناسخت الدولة العراقية الحديثة منذ الرابع عشر من تموز عام 1958 مع فرق واحد هو: تصاعد عنف هذه الدولة ضد مواطنيها، رغم أن شعارات الدولة (المتناسخة) تضمنت جوهراً واحداً: وعود شعارية في الحرية والعدالة ورفع الحيف عن المواطن المهمش ورسم جنة وطنية أو قومية ما وراء الغيوم.
المؤسف هنا هو إن المواطن المهمش ألغى نفسه ليساعد الدولة، في وجوهها المتكررة (مع اختلافات جزئية) واستجاب دعوتها للركض وراء شعاراتها السحرية لبلوغ تلك الجنة الكاذبة، بينما كان عليه أن يتأمل ذاته ويبحث فيها عما يمكن أن يفعله في وجه عنف الدولة المتصاعد، وتفحص طاقاته الفردية لمعرفة ضرورة أن يتجنب، على الأقل، الانخراط في لعبة الدولة العنيفة إن لم أقل فضحها ومقاومتها والانتصار لحريته الشخصية.
ثمة ظاهرة عربية، لا عراقية حسب، تتمثل في حب السلطة والتقرب منها مهما بلغت درجة عهرها السياسي والأخلاقي حتى لو كانت هذه السلطة يداً تنفيذية لا أكثر، وهنا مصدر إغوائها لهذا المواطن وتدجينه واستعماله لما تتمتع به من نفوذ وعطايا ووظائف إدارية، وفي العراق، تحديداً، تكون السلطة المنفلتة هي الابنة البراغماتية للدولة الريعية مالكة مفاتيح حياة المواطن المهمش أو موته، فكيف إذا كانت الدولة هي السلطة والسلطة هي الدولة ، عندما تختزل الدولة إلى سلطة محض عندما تفقد الدولة شرعيتها.
خضع المواطن المهمش لسلطة الدولة المتعددة الأشكال والمتنوعة الأساليب لأنه سلم أمره سلفاً لتلك السلطة وأقر بهزيمته ورضي بما هو مقسوم له دينياً وسيكولوجياً وسياسياً، رغم أنه لم يجد حتى قوت يومه بينما قدمت له الدولة القمعية شعارات براقة على طبق من وهم.
دور النخب
إذا كان يأس المواطن من نفسه والإقرار بانعدام دوره المطلوب في مقاومة سلطة الدولة القمعية، رغم الأهمية القصوى لدور المواطن الشخصي في المقاومة من أجل حريته الفردية، فإن دور النخب الفكرية والثقافية يمكن أن يكون حاملاً للوعي بقضية الحرية الفردية، أو يفترض أن يكون كذلك، لكن هذه النخب مثلت في العراق أسوأ أدوارها الفكرية والسياسية بانخراطها في ماكنة الدولة القمعية، بل وضعت نفسها في خدمة عنف الدولة وباتت أحد أجهزتها البوليسية، أو في أضعف الأحوال مجرد نخب نشيطة في الماكنة الإعلامية (الإعلانية) والثقافية والفنية وربما هذا دورها الأخطر في ترويج العماء والتستر على جرائم العنف والأكاذيب الرسمية بل الإسهام في صناعتها أيضاً.
البيئة تسهم بصناعة الجميع: المواطن المهمش الذي سيصبح زعيماً سياسياً وقائداً لبقية المهمشين (الصغار) ليمعن في تهميشهم والزعيم الذي كان مهمشاً يوماً ليمعن في تهميش المهمش (الصغير) هكذا جاء الفوهرر الألماني وصدام حسين وجوزيف ستالين من الأزقة الفقيرة والمقاهي الرخيصة والبراري النائية.
.. والبيئة، هنا، هي مجموع التأثيرات والتفاعلات المتبادلة بين مكوناتها الطبيعية والاجتماعية والتربوية والسياسية... إلخ، على المواطن المهمش والزعيم السياسي، على حد سواء، ولكن اللعبة الخفية التي تنطلي على المواطن المهمش (الصغير) هي أن المهمش الذكي سيكون زعيماً كبيراً.
في كتابه الشهير (خطاب الى الرجل الصغير) يوبخ فيلهلم رايش هذا الرجل بقسوة منقطعة النظير ويوجه إليه أقسى النعوت المقذعة لأنه فرّط بمعرفة نفسه واحترامه لحريته الشخصية فيخاطبه بالقول: "لم أسمعك أبداً تشتكي: إنكم تنصبوني سيداً على نفسي وعلى العالم، ولكنكم لا تقولون لي كيف يصبح المرء سيداً على نفسه ولا تقولون لي أين تهت وأين أخطأت التفكير والتصرف، إنك تترك حكامك يطالبون بالسلطة للرجل الصغير، ولكن أنت نفسك أخرس، تغدق على الأقوياء المزيد من القوة ولا تمنح الضعفاء سوى نظرات عدائية لكي تدافع عن نفسك. لكنك ستكتشف، متأخراً، أنك كنت، دائماً، المخدوع."
أن يكتشف المواطن المهمش أنه مخدوع ومن هو الذي خدعه أحد مفاتيح الدخول إلى قيمته الإنسانية المهدورة، المستعملة، حتى بالورقة الانتخابية سواء كانت صحيحة أو مزورة.
.. ولأن المواطن المهمش (الرجل الصغير) مقذوف إلى خارج نفسه: الانخداع بالشعار والفن والأمسية الثقافية وإعلان الصابون فإنه يبتعد عن ذاته ليجد نفسه بلا ذات.. بلا نفس: "لا تهرب!، فلتكن لديك الشجاعة للتحديق بنفسك" يحرض رايش هذا الرجل الصغير.
المواطن المهمش لا يتقبل أية فكرة غريبة على وعيه فتراه خائفاَ، متردداً، فاقداً للمبادرة، ومثلما يفقد الثقة بنفسه يفقدها في غيره، وفي ضوء تجاربه رأى ما آلت إليه دولته: الملكية ثم الجمهوريات المتعاقبة ثم.... إلخ، هل رأيتم الفيديو الذي يجمع عبد الكريم قاسم مع الملك فيصل الثاني قبل 14 تموز 1958؟.. دائماً ثمة رجل مقرب يقوم بثورة أو انقلاب (جمال عبد الناصر الضابط لدى فاروق ، مثال آخر).
ثمة تفرعات تخرج من أصول.
لكن عبودية المواطن متأصلة فيه لا يخرج منها إلا بعد أن يدرك ذاته الفردية وقدسيتها ومنع أي أحد من أن يهدرها ويلعب بها ويستعملها.
أخي المواطن المهمش، الصغير، سواء أكنت من العامة أم من النخبة، حلاقاً أم مثقفاً، يقع عليك وزر عبوديتك، إبدأ بإدراك حريتك الشخصية ودافع عنها ومجموع العبيد الذين يدركون حريتهم الفردية ويدافعون عنها يمكن أن تخلق فضاء حراً، أوسع.
لنستمع إلى رايش يقول: "إنه شيء جديد، بالنسبة لك، أليس كذلك؟ محرروك يقولون لك بأن المتسلطين عليك كانوا فيلهلم، نيكولاس، البابا غريغور 28، مورغان، غروب، فورد. أما محرروك فهم موسوليني، نابليون، هتلر، ستالين."
واستمع لي، أيها العراقي الصغير، أقول لك: بأن المتسلطين عليك هم الملك فيصل وعبدالكريم قاسم وعبدالسلام عارف وصدام حسين فهل تتوقع أن محرريك هم ابراهيم الجعفري ونوري المالكي وعمار الحكيم وإياد علاوي وأضرابهم.
فمن تختار؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram