TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > لوائح البغدادي وأبواب فيروز

لوائح البغدادي وأبواب فيروز

نشر في: 20 يوليو, 2014: 05:46 ص

وأنا أقرا اللوائح الثلاث التي حددتها داعش لمسيحيي الموصل،( الدخول في الدين الاسلامي، مغادرة الموصل نهائياً أو القتل بالسيف) رحت أرتجف وانا جالس في البيت، عند آخر نقطة في الجنوب، كنت أسمع طقة القفل الأخيرة في أبواب أولئك المسيحيين، مثل انفجار مدوٍ أفقدني بهجة ساعات الصباح الأولى. لا أعرف كيف انفجرت كلمات أغنية فيروز (الابواب) أمامي، وهي تتحدث عن صورة الوداع الأخيرة التي ستظل مرسومة في أعين النساء والرجال والأطفال عن آخر التفاتة لأعينهم وقلوبهم، ظلت فيروز تروي حكايتها عن الأبواب التي تغرق برائحة الياسمين، الأبواب المشتاقة الحزينة، الابواب المهجورة المنسية، تلك التي حفروا أعمارهم فيها، وبين تتبعي لخطى الراحلين إلى المجهول، الفارين من الدائرة الحمراء التي أحاطت حرف النون، والتي وسمت بها أبوابهم كانت فيروز تردد: فكّر راح اشتاقلك... فكر، عا ها الباب راح أنطر سنين ...
مع أن كثيرين تحدثوا عبر وسائل الاتصالات في تعقيبهم على قرار داعش هذا أكدوا فيها على أن النصوص والاحاديث تؤكد صحة ما ذهب اليه هؤلاء الداعشيون، مستندين إلى الآي تارة وإلى الحديث تارة اخرى، ومثل ذلك قال غيرهم بشأن فرق الامر بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (سيئة الصيت) في السعودية، وكذلك وصف البعض قضية تأسيس وعمل المليشيات في مصر والعراق وسوريا ولبنان وأتوا على عموم فكرة بناء الاحزاب الدينية العربية. إلا أني ارى أن النصوص تلك والقرآن بالذات كما قال الامام علي (حمّال اوجه) هو الذي قال له ابن عمّه النبي : (لا تحاججهم بالقرآن فإنه حمّال أوجّه، تقول ويقولون). لكن الاهم من ذلك، لا بل قل الأغرب في القضية كلها أن بناة التيارات هذه ودعاة التشدد في المفاصل كلها، ومن خلال إصرارهم على تقديم العنف والقتل، إنما يعبرون عن وجهات نظر شخصية لا غير، وهي تعبير ضمني عما تنطوي عليه سرائرهم العميقة من أمراض نفسية واجتماعية، ومن يتتبع منظومة القتل لديهم يجد ان القائمين على الأمر هذا أناس غير أسوياء، دفعت بهم صروف مهينة خارجة عن أصول المعتقد والالتزام أو إقامة العدل الإلهي كما يحاولون تسويق بضاعتهم دائماً.
وقد لا تختلف قضية اللوائح الداعشية ضد مسيحيي الموصل كثيراً عن قضية قتل النساء في زيونة ببغداد، فهذا ينفذ أمراً إلهيا بحسب روايته له، وذاك ينفذ أمراً إلهيا بحسب روايته له أيضاً. ومثل ذلك وقعت وتقع الكثير من حوادث القتل والتهجير التاريخية التي تعرض لها السنة والشيعة والكرد والتركمان واليهود والمسيحيون والشبك والأيزيدية والبهائية ووو . لكن القضية وكما تتضح لا تتعلق بتطبيق النصوص إنما هي تعبير عن إرادة فردية، عن محاولات في الإقصاء والتشفي والنيل من الآخر. ولا نقول بان العرب والشرق أوسطيين جميعاً عبر التاريخ أكثر ميلا من غيرهم للعنف والتشدد وقهر خصومهم، او انهم الأقل في التسامح والعفو والغفران. لكن الذي يتضح أن منطقة مظلمة عميقة في النفس هذه لا تنفك تعمل على الثأر والانتقام ما وجدت لذلك سبيلاً.
نتذكر الخلافات التي استعرت بين المتشددين الإسلاميين والمنفتحين من المدنيين أيام كتابة الدستور العراقي، وكيف كان البعض يصرُّ على أن يكون القرآن مصدراً او المصدر الوحيد للتشريع. ومن يتتبع الفقرات التي كانت مثارا للجدل اكثر من غيرها يجد أن قانون الحوال الشخصية وقضية المرأة والتزويج والمواريث وكل ما هو شخصي هي محط الجدل ذاك، غاضين أبصارهم عن ما يمس جوهر الحياة في الاقتصاد والأمن والاستقلال والعلاقة مع الآخر وترسيخ قيم التسامح والصفح والمحبة . لا بل أغفلوا الخوض في تأسيس وتشريع قوانين تتعلق بإقامة الحدود على السارق والقاتل والعنصري ووو مع الوجود الصريح والقطعي من الآيات والاحاديث الخاصة بذلك.
نعم، هنالك من النصوص في المصحف والحديث ما يشير بقوة وتشدد في الأحكام ووجوب التطبيق، لكن إلى جانب ذلك هنالك المئات من الآيات والأحاديث التي تدعو للتسامح واللين والعفو والصفح، ترى لماذا لا تجد من يفعلها ويعمل بها من الخلفاء والأمراء والمشايخ؟ ألم تكن نصوصاً إلهية صريحةً ؟ ألم يكن هو القائل: وسعت رحمتي كل شيء!! ألم يقل: أهم يقسمون رحمة ربك .أليس هو القائل: " لئن بسطت إلي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله ربَّ العالمين". أين أنتم من ذلك أيها الأوغاد؟ أتراه سيفرح (الله) بتهجير جاري المسيحي المسالم، جاري الفقير الذي لم أسمع منه تحقيراً لديني، جاري الذي تقاسمت معه الأرض والماء والهواء والرغيف والمحن والمسرات. هذا الذي أغلق باب داره دونما حلم بالعودة إليه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أرنولد: فخور باللاعبين وكأس العرب بطولة رائعة

المنتخب العراقي يودع بطولة كأس العرب من الدور ربع النهائي

الأنواء الجوية تحذر من ضباب كثيف غداً السبت قد يسبب انعدام الرؤية

وزير خارجية لبنان: تحذيرات عربية ودولية من عملية إسرائيلية واسعة

(المدى) تنشر تشكيلة العراق أمام الأردن في كأس العرب

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

 علي حسين دائما ما يطرح على جنابي الضعيف سؤال : هل هو مع النظام السياسي الجديد، أم جنابك تحن الى الماضي ؟ ودائما ما اجد نفسي اردد : أنا مع العراقيين بجميع اطيافهم...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان البحر الاحمر فسيفساء تتجاور فيها التجارب

 علاء المفرجي في دورته الخامسة، يتخذ مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي شعار «في حب السينما» منهجًا له، في سعيه لإبراز هذا الشغف الكبير والقيمة العليا التي تعكسها كل تفصيلة وكل خطوة من خطواته...
علاء المفرجي

لمناسبة يومها العالمي.. اللغة العربية.. جمال وبلاغة وبيان

د. قاسم حسين صالح مفارقة تنفرد بها الأمة العربية، هي ان الأدب العربي بدأ بالشعر أولا ثم النثر، وبه اختلفت عن الأمم التي عاصرتها: اليونانية، الفارسية، الرومانية، الهندية، والصينية.. ما يعني ان الشعر كان...
د.قاسم حسين صالح

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

جورج منصور في عالمٍ يتسارع فيه كلُّ شيء، ويكاد الإنسان أن ينسى نفسه تحت وطأة الضجيج الرقمي والركض اليومي، يظلُّ (معرض العراق الدولي للكتاب)، بنسخته السادسة، واحداً من آخر القلاع التي تذكّرنا بأن المعرفة...
جورج منصور
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram