TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > موت آخر ...

موت آخر ...

نشر في: 21 يوليو, 2014: 09:01 م

هل يجب ان تكون الحياة من الفولاذ او البرونز، كما قال زوربا اليوناني لنحتمل موت الاخرين ...تذكرت هذه العبارة حين سمعت احدى زميلاتي تعلق على تأثر الأخرى بوفاة جارتها قائلة: " الازلت تتألمين لموت الاخرين ؟"...هل تبدلت مشاعر الناس الى هذه الدرجة فصارت العواطف "سلعة قديمة " والاحساس بالآخرين " بطر" ومساعدتهم مصلحة شخصية ..؟
الحياة سر غريب نعرف فيه الشعور قبل ان نعرف التفكير ونتمرس بالعواطف والأحاسيس ثم نتخلى عنها وننبذها حين نبغي ان يقال عنا اننا " متحضرون " وكأن التحضر يعني ارتداء اقنعة فولاذية وامتلاكنا قلوبا برونزية ...ما يصيبنا الآن هو التصخر ..قلوبنا بدأت تتصخر ومشاعرنا باتت تتحجر لكثرة ماصادفها من مصائب ومصاعب ..لم تعد اخبار الموت او مشاهده تؤثر فينا الى الحد الذي يسيطر على افكارنا ويقلب منهاج يومنا فنحن نتأثر لدقائق او اكثر وربما نذرف دمعتين وبعدها نعود الى عالمنا متناسين وجها رحل عنه الى غير عودة ...
في الدول الاوربية او الغربية عموما ، نادرا ما تحصل على (تكشيرة ) من كل شخص تقابله فهم يبتسمون دائما ويهزون رؤوسهم لك دلالة على التفاعل معك وهذا ما يجعل اليوم لديهم يبتدئ بابتسامة متفائلة....
لا يمكننا نحن ان نبتسم لكل من يقابلنا كما يفعلون فهذا سيعتبر ( بطرا ) حتما فكيف يبتسم من غابت الكهرباء الوطنية عن منزله لساعات طوال واسلمته للحر اللزج وقلة النوم التي تقود الى التوتر ..وكيف يتفاءل من يحيط به الموت ولا ترى عيناه الا مشاهد الدمار ولا تسمع اذناه الا صوت الرصاص ...كيف يبتسم من فقد عزيزا في انفجار او في اشتباكات لا يعرف احد متى ستنتهي ولمن ستكون نقطة الحسم فيها وكم ستكون نسبة ضحاياها ؟...
اصعب شيء يعيشه العراقيون الآن ليس الفوضى والتنازعات السياسية ولا انضمامهم رغما عنهم الى لعبة خطرة افقدتهم ابناءهم ومنازلهم وكيانهم في مناطقهم وجعلتهم احيانا ادوات ضاربة لبعضهم البعض في حرب خاسرة ...اصعب شيء هو موت قلوبهم فهي لم تعد تشعر بضخامة الاحداث او بحجم الموت او بثقله على كاهل أهله ..انهم يهزون رؤوسهم اسفا لدى رؤيتهم نعشاً يمر أمامهم وقد يقرأون على روحه سورة الفاتحة او يعلقون بتلك العبارة الشهيرة ( مات وارتاح ) ...انهم يبحثون عن الراحة حتى لو كانت في الموت ..ولماذا تكون الراحة في الموت لابناء بلد منح الحياة والراحة لكل من طرق بابه مستجديا اوصديقا او طامعا ..لماذا لا يستمتع ابناؤه بخيراته وجمال طبيعته وموارده الغنية بل يواصلون فقدان حتى السقوف التي آوتهم فيه فيرحل المسيحي لأنه مسيحي ويهدر دم السني ويوصم الشيعي بالكفر ، وهكذا يفقد العراقيون أسباب إحساسهم بالحياة ويعيشون دائما تحت رحمة الموت ..ليس موت الأجساد فقط ..بل موت القلوب.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram