أضع يدي على صدري فوق موضع القلب بالذات، كلما سمعتُ عربياً يقول: الإخوة الكرد، أو كردياً يقول: الإخوة العرب، أو شيعياً يقول: الإخوة السنة، أو سنياً يقول: الإخوة الشيعة، ففي الحال يعتصر قلبي ويفور الدم فيه شكّاً في نوايا المتحدث وفي حقيقة ما يبطنه من مشاعر حيال من يأتي على ذكرهم. وأكثر ما تثور الريبة عندما يعمد المتحدث الى تشديد نبرة كلامه وتقويتها مع ترديده كلمة "الإخوة".
الشعور نفسه يجتاحني إذ أستمع هذه الايام الى المتحدثين الرسميين وهم يقللون من شأن الارهابيين بوصفهم "جرذان داعش"، ويبالغون في تكرار "الأبطال" و "البطولات" في حق أفراد القوات المسلحة. انهم يعيدون الى الأذهان ما كان يفعله الناطقون باسم نظام صدام في سنوات حربي الخليج الاولى والثانية (1980 – 1988 و1991)، ثم في حرب الإسقاط (2003).
لا يُدرك المتحدثون الرسميون ان التقليل من شأن العدو هو تقليل من شأن الطرف الآخر أيضاً، فالجرذان على سبيل المثال لا يتطلب أمر مواجهتها جيوشاً جرارة ولا تحتاج مكافحتهم الى بطولات واجتراح معجزات، فبودرة فوسفيد الزنك أو فوسفيد الألمنيوم كفيلة بإبادة الجرذان والفئران على نحو ماحق.
لا أظن ان العراقيين يحتاجون لإثارة كراهيتهم ونقمتهم حيال (داعش) وحلفائه الى وصف عناصر هذا التنظيم الارهابي بالجرذان.. جرائمهم السافرة تثير أقوى مشاعر الغضب والنقمة. ولا أظن ان العراقيين ينتظرون من المتحدثين الرسميين إسباغ صفات البطولة والشجاعة والإقدام على جنود الجيش وضباطه ليقتنعوا بان هؤلاء الذين يخوضون المعارك في سبيل الشعب والوطن ويواجهون الدواعش وحلفائهم انما هم أبطال حقيقيون.
أظن ان الأبلغ من استخدام تعبير الجرذان في حق الدواعش هو تقديم حقائق ووقائع وأفلام عن جرائم داعش وحلفائه، وان الأقوى من قول كلمة "الابطال" في حق افراد القوات المسلحة والأمنية تقديم مثل هذه الحقائق والوقائع والافلام عن معارك القوات المسلحة الحية في الميدان والانتصارات التي يحققونها.
المدرسة السياسية والعسكرية التي كانت تعوّل في الدعاية على الكلمات الفخمة والفضفاضة والشعارات الحماسية، وحتى على الأكاذيب، لكسب الرأي العام والتأثير في معنويات العدو، غدت مدرسة بائدة، فأبوابها وشبابيكها مغلقة منذ زمن بعيد لأنها بكل بساطة قد ثبت فشلها.. أما المدرسة الناجحة في الدعاية والحرب النفسية فهي التي تتوجه الى عقول الناس وتحترم معرفتهم وقدراتهم الفكرية، فلا تركن إلا الى المعلومات الصحيحة.
لاحظوا، على سبيل المثال، الاداء الإسرائيلي على هذا الصعيد، فالمتحدثون العسكريون ووسائل الاعلام الإسرائيلية تنقل ما يجري على الجبهات أولاً بأول بالصوت والصورة، وتعلن عن المكاسب والخسائر في الحال ولا تخفي ساعة واحدة إصابة قائد قوات النخبة (لواء الجولاني)، كما حدث منذ يومين، فعيون التلفزيون مفتوحة على الآخر من أربع جهات الارض، ومن الجهة الخامسة أيضاً: منطقة الاقمار الصناعية في الفضاء.
دعايتنا .. مدرسة بائدة
[post-views]
نشر في: 21 يوليو, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
عبد الباسط الراشد
مفال جميل من حيث المضمون , لكن الاستشهاد بحرفية اسرائيل في نقل المعلومة لااظنه في محله, ففي الوقت الذي كان رئيس وزراء اسراءيل و وزير دفاعه يعقد مؤتمرا صحفيا يشرحون ان الاوضاع جيدة, كانت حماس اسرت حندي قبل 24 ساعة وهم لم يعلنوا عن ذلك , ناهيك عن الكذب في ع
عساكم بخير
نعم نحن الان لانثق بما يصرح بهالناطقون لاننا وببساطة عندما نسمع الاخبار من اصحاب الشأن في المناطق الساخنة ينفي كل ما يتناولونه هولاء وكفانا كذب وتزوير للحقائق علينا ان نصبح متواضعون ونعترف باننا فاشلون