سعيد كاشو، الكاتب العربي – الاسرائيلي انتقل الى القدس وهو طفل وكرّس حياته متحدثاً عن قصة الفلسطينيين، ولكنه قبل اسبوع قرر الهجرة مع عائلته الى الولايات المتحدة الامريكية، وقد كتب لصحيفة الغارديان عن معاناته: (ويقول كاشو في القدس، اردت ان اقصّ ق
سعيد كاشو، الكاتب العربي – الاسرائيلي انتقل الى القدس وهو طفل وكرّس حياته متحدثاً عن قصة الفلسطينيين، ولكنه قبل اسبوع قرر الهجرة مع عائلته الى الولايات المتحدة الامريكية، وقد كتب لصحيفة الغارديان عن معاناته: (ويقول كاشو في القدس، اردت ان اقصّ قصة للاسرائيليين، قصة الفلسطينيين، وهم بالتأكيد عندما يسمعونها سيتفهمون الامر. ويضيف قائلاً: قريباً جداً سأغادر المكان، وفي خلال ايام نغادر القدس، مغادرين البلاد، وفي الامس اشترينا حقائب صغيرة للصغار، فلا حاجة لنا لحمل كميات كبيرة من الملابس، فسنترك ملابسنا الشتوية، وهي على كل حال لاتتلاءم مع الاجواء الباردة في جنوب الينوي، في الولايات المتحدة الامريكية، اننا سنكون بحاجة لمجموعة قليلة من الحاجيات حتى نستقر، ربما يحتاج الصغار الى بعض الكتب باللغة العربية و أخرى بالعبرية، كي لاينسوا اللغتين، ولكنني حتى الان لم اقرر ما الذي أريده لأطفالي تذكرة من هذا المكان الملعون. كانت الخطة الاصلية السفر لمدة شهر، كعطلة سنوية، ولكنني في الاسبوع الماضي، عدم تحملي البقاء هنا اكثر، وسألت وكالة السفر، الحصول بأسرع مايكون على بطاقات سفر لرحلة الذهاب فقط، وفي خلال بضعة ايام سنكون في شيكاغو، ولا ادري أين سأكون في الشهر الأول، ولكننا سنقرر الأمر بعدئذ.
وانا لدي ثلاثة اطفال، ابنة عمرها 14 سنة و ولدان بعمر 9 و 3 أعوام، ونحن نعيش في غرب القدس، ونحن العائلة العربية الوحيدة التي تعيش هنا، والتي انتقلنا اليها قبل ستة اعوام وفي خلال هذا الاسبوع " كتبنا بالعبرية " لولدنا الصغير : بامكانك اختيار لعبتين، وكان واقفاً في الغرفة يتطلع الى صناديق العابه، ثم بدأ بالبكاء على الرغم من الوعد الذي قطعته له بشراء كل شيء يطلبه عندما نصل الى مقرنا الجديد.
وقررت ايضاً ما سآخذه، علي اختيار كتابين قلت ذلك لنفس وانا اقف امام رفوف الكتب في غرفة المكتب، اولهما " قصائد لمحمود درويش " بالتأكيد والآخر " مجموعة قصص " لجبران خليل جبران، وبقية كتبي كافة بالعبرية، اذ انني تركت القراءة بالعربية منذ بلوغي الرابعة عشرة من عمري. عندما كنت في الـ 14 من العمر، رأيت مكتبة للمرة الاولى، فقبل 25 سنة، جاء مدرس الرياضيات الى قرية " تيرا " ، حيث ولدت، واخبرنا، ان اليهود سيفتحون مدرسة في اورشليم للطلاب الموهوبين ثم طلب منه تسجيلي هناك لصالح مستقبلي، ودخلت تلك المدرسة الداخلية وتركت بيتي وانا في سن ابنتي الان، كان الامر صعباً جداً، بل قاسياً، بكيت عندما احتضنني والدي وتركني امام مدخل المدرسة الكبيرة، لم اشاهد مثلها في (تيرا).
وقد كتبت ذات مرة، ان الاسبوع الاول كان من اشد الايام في حياتي، لقد كنت مختلفاً، شخصاً آخراً، وكانت ملابسي مختلفة، ولغتي كانت العبرية: علوم، الكتاب المقدس، والأدب، جلست هناك دون ان افهم كلمة واحدة، وعندما حاولت الكلام، ضحك الجميع علي، وكل ما اردته آنذاك هو الهروب الى اسرتي، الى القرية والاصدقاء واللغة العربية، بكيت وانا اتحدث هاتفياً مع والدي طالباً منه المجيء واعادتي اليهم، وقال لي، ان البداية تبدو صعبة، ولكنني في خلال اشهر قليلة سأتحدث بالعبرية بشكل افضل من الآخرين.
اتذكر الاسبوع الاول، عندما طلب مني مدرس الادب ان أقرأ (قصائد في حقل الشوفان) لسالينجر، كانت الرواية الاولى التي اقرأها في حياتي، واستغرقت في قراءتها عدة اسابيع، وعندما انهيتها تعلمت شيئين غيرا حياتي، الاول هو استطاعتي قراءة كتاب بالعبرية، وكان الثاني حبي للكتب.
وبسرعة جداً، تحسنت في اللغة العبرية، وكانت مكتبة المدرسة الداخلية تضم كتباً بالعبرية فقط، وهكذا بدأت بقراءة للكتاب الاسرائيليين، قرأت أغنون، مايبر شاليف، آموس أوز، وبدأت ايضاً القراءة عن الصهيونية، واليهودية، وبناء الوطن.
وفي خلال تلك الاعوام بدأت ايضاً في فهم قصتي، وبدون تخطيط للعمل، بدأت أكتب عن العرب الذين يعيشون في مدرسة داخلية اسرائيلية، وبدأت اكتب، مؤمناً ان كل ما احتاجه هو تغيير الامور من اجل كتابة وجهة النظر الاخرى، ان احكي القصص التي سمعتها من جدتي، وان احكي عن كيفية مقتل جدي في معركة (تيرا) عام 1948، وكيف خسرت جدتي كل الاراضي التي نمتلكها، وكيف ربت والدي، وكييف عملت في قطف الثمار، لقاء اجر من اليهود.
اردت ان اكتب عن والدي، بالعبرية، عندما سجن اعواماً طويلة، دون تقديمه للمحاكمة، بسبب آرائه السياسية، اردت ان احكي عن قصة الاسرائيليين وقصة الفلسطينيين، وهم بالتأكيد بعد قراءتها سيفهون، وسيتغيرون اثر ذلك، وكل ما علي القيام به هو الكتابة، وسنتهي الاحتلال، وكل ما علي هو أن اكون كاتباً جيداً وسأمرر ابناء وطني من (الغيتو) الذي يعيشون فيه، انا اكتب قصصاً بالعبرية وسأكون آمنا، كتاب آخر، فيلم آخر، عمود في صحيفة اخرى، وسيناريو آخر للتلفزيون، وسيكون لاطفالي مستقبل افضل، شكراً لقصصي، ففي يوم ما ، سنكون مواطنين متساويين، تقريباً مثل اليهود.
25 سنة من الكتابة بالعبرية، ولم يتغير أي شيء، 25 سنة من التشبث بالحبل، معتقداً ان الناس ليسوا عمياناً الى هذا الحد، 25 سنة كنت في خلالها و لعدد من الاسباب، متفائلاً، و واصلت املي في ان هذا المكان، الذين يعيشون فيه العرب واليهود معاً، وسيكون هذا المكان قصة الاوليين في حين ان قصة التاليين، لن ترفض، وسيأتي ذلك اليوم الذي يكف فيه اليهود عن انكار النكبة، الاحتلال، ومعاناة الفلسطينيين، وفي ذلك اليوم سيكون الفلسطينيون مستعدين للعفو وان الشعبين سيبنون موقعاً يستحقون العيش فيه.
25 سنة من الكتابة، وانا مطلع على نقد قاس من الطرفين، ولكنني في الاسبوع الماضي، استسلمت، في الاسبوع الماضي شيء ما في داخلي انكسر، عندما سار الشبان اليهود في المدينة وهم يهتفون، " الموت للعرب " ويهاجمون العرب لا لسبب ما غير انهم عرب، وادركت حينذاك اني خسرت حربي الصغيرة.
واصغيت الى السياسيين والاعلاميين وعرفت انهم يفرقون ما بين دم و دم، بين ناس وناس، وانهم افضل من العرب، وفي اللقاءات التي حضرتها وشاركت فيها، قيل ان اليهود شعب أفضل، وانهم يستحقون الحياة، وانتابني اليأس عندما أدركت ان غالبية البلاد لاتعترف بحق العربي بالحياة.
وبعد كتابة " عمودي " الاخير، طلب القراء ضرورة نفيي الى غزة، مطالبين بكسر ساقي، واختطاف اطفالي، ولم اعد منذ ذلك اليوم آخذ اطفالي الى الحدائق أو المخيمات، واحتجت ابنتي بشدة وقالت انهم لن يعرفوا انني عربية، لان لغتي العبرية جيدة جداً، ثم اغلت باب غرفتها وبدأت تبكي.
انا الآن واقف اما مكتبتي، سالينجر في يدي، الرواية التي قرأتها قبل 14 سنة، لاريد نقل كتبي، وقررت التركيز على لغتي الجديدة، اعلم انه امر صعب، او مستحيل تقريباً، ولكنني اجد ضرورة ايجاد لغة اخرى للكتابة، وسيكون لاولادي لغة اخرى يتعايشون معها ويتحدثونها.
"لاتدخل الى الغرفة" صاحت ابنتي بغضب عندما نقرت على بابها، ومع ذلك، دخلت الى الغرفة، جلست بجانبها على السرير، وعلى الرغم من ادارة ظهرها نحوي، فقد ادركت انها تستمع ما اقول، " اسمعي – قبل ان اعيد الجملة التي سمعتها من والدي قبل 25 سنة " تذكري ان اي شي تفعلينه في حياتك، فبالنسبة اليهم ستكونين على الدوام عربية هل تفهمين؟
قالت ابنتي " افهم ما تقول، ثم عانقتني بشدة ، " بابا ، اعرف ذلك منذ زمن طويل ".قلت وانا اعبث بشعرها، " عما قريب سنغادر المكان، وفي خلال هذه الفترة اقرئي هذا الكتاب" واعطيتها رواية سالينجر، (حقل الشوفان).
• سعيد كاشو، كاتب فلسطيني، ترجمت رواياته الى 15 لغة، وفيلم "عرب يرقصون" استمد من روايته الاولى، عرض للمرة الاولى عام 1914، في خلال المهرجان العالمي للفيلم في اورشليم، احدث رواياته "كشف" صدرت عن دار شاتو ويندوس، وترجمت من قبل ديبواراه هاريز.
عن الغارديان