TOP

جريدة المدى > سينما > بازوليني.. المُهَيّأ لتقييم جديد.. تبقى تُحَفه السينمائية شاخصة وجديرة بالمشاهدة

بازوليني.. المُهَيّأ لتقييم جديد.. تبقى تُحَفه السينمائية شاخصة وجديرة بالمشاهدة

نشر في: 23 يوليو, 2014: 09:01 م

في نهاية " مامّا روما " ( 1962 )، الفيلم العظيم لبير باولو بازوليني، يضطجع البطل ميتا على سرير سجن أشبه بمسيح ميت لمانتنيا [اندريا مانتنيا، رسام من عصر النهضة] أو قديس عاري القدمين بريشة كارافاجو [ميكيل آنجلو ميريسي دا كارافاجو]. الكثير كان مستوحى من

في نهاية " مامّا روما " ( 1962 )، الفيلم العظيم لبير باولو بازوليني، يضطجع البطل ميتا على سرير سجن أشبه بمسيح ميت لمانتنيا [اندريا مانتنيا، رسام من عصر النهضة] أو قديس عاري القدمين بريشة كارافاجو [ميكيل آنجلو ميريسي دا كارافاجو]. الكثير كان مستوحى من أيقونات عصري النهضة والباروك في سينما بازوليني. التجديف المبطن لكارافاجو بمسيحه أثار حسّ المعارضة للمعتقدات والمؤسسات التقليدية عند المخرج الإيطالي، الذي كان موته الفاجع منذراَ به إلى حد ما في أعماله. في صبيحة يوم الثاني من تشرين الثاني 1975، في حي أكواخ خارج روما، وُجِد بازوليني جثة مشوهة بعد ان دُهِس بسيارته الخاصة الألفا روميو عدة مرات. كانت إحدى نساء الحي لاحظت شيئا أمام بيتها. ((انظر كيف جاء اولئك السفلة ورموا نفايتهم هنا)) تتذكر قائلة.
مشهد القتل يذكِّر بمكان وزمان مشهد من فيلم أو رواية لبازوليني: اكواخ تتناثر على شاطئ وفي البعد ترتفع أحياء الفقراء لنوفا اوستيا. اُتُهِم بجريمة القتل فتى مستأجر في السابعة عشرة من العمر – لقاء غرامي لواطي أدّى الى خطأ مهلك. أو هل كان بازوليني ضحية اغتيال سياسي؟ قاتله المفترض، كما ظهر، كان ممالئا للحزب الفاشي الجديد الايطالي؛ الحكم لم يزل مفتوحا.* كان بازوليني في الثالثة والخمسين من العمر.
جاء المتهم من منطقة سكنية خارج روما تدعى تيبورتينو الثالثة. مساكن العهد الفاشي، التي بُنيت عام 1935 على أراض سّبِخة، لم تبلغ أبدا المشروع اليوتوبي الذي وعد به موسوليني. ومع ذلك فالضواحي، المنثورة بأحواض الغسيل المكسورة وإطارات العربات القديمة المزروعة بنبات الخشخاش، تمثل الخليط البازولينيّ الشعري والقذر. في أيام بازوليني، حافظت تيبورتينو الثالثة على شيء من الجو شبه الريفي لليطاليتا (البلدات الصغيرة لايطاليا) المميِّز لسينماه الرومانية. مهاجرون من ايطاليا الجنوبية حملوا معهم أخلاقياتهم ولهجاتهم المحلية الخاصة، التي وثّقها بازوليني بدقة إثنوغرافية [ انثروبولوجية وصفية ].
في شعره، صحافته، رواياته وأفلامه، دافع عن ايطاليا ما بعد الحرب المحرومة والمَقيتة، مازجا يسارية فكرية مع كاثوليكية فرانسيسكانية متحمسة. فيلمه الأكثر شهرة، "الإنجيل وفقا لماتيَّو" (1964)، كان تحية ليوحنا الثالث والعشرين [ بابا الكنيسة بين عامي 1958 و1963 ]، البابا الأول الذي فتح حوارا بين الكاثوليكية والماركسية، وأسقط بازوليني، كما هو واضح، كلمة ’’ قديس ‘‘ من العنوان. في الفيلم ثمة لقطة من منظر طبيعي قمري في المنطقة الايطالية البعيدة، باسيليكاتا – حيث صنع ميل غيبسون استعراضه السينمائي الفظيع عن المسيح – يظهر فيها عدد من أصدقاء بازوليني.
بعد 40 عاما تقريبا من وفاته، ما زال بازوليني مُهَيّأ لتقييم جديد. ،فقد أٌقيم عرض استعادي لأفلامه في معهد الفيلم البريطاني، هو الأكبر أبدا في المملكة المتحدة. " اكاتونه " ( 1961 )، باكورة أفلام بازوليني، هو اللحظة المناسبة للبداية. يبقى واحدا من الأعمال العظيمة للسينما الايطالية ما بعد الحرب، فيلم أثّرت واقعيته الشعرية على مارتن سكورسيزي كما أثّرت على الشاب برناردو برتولوتشي، الذي كان في ذلك الوقت كاميرمان بازوليني. بطل بازوليني المألوف، اكاتونه [ الشحاذ ]، هو قوّاد إنما أيضا شهيد محتمل، يرى في الموت شكلا من أشكال الخلاص. كلماته الأخيرة وهو ممدد ينازع الموت بعد حادثة على الطريق، هي (( Mo’ sto bene ))، (( سأكون بخير الآن)).
كتب بازوليني أفلامه الأولى باللهجة الرومانية ليذكِّر ايطاليا بلغة كانت تجاهلتها الى حد بعيد. هجومه العنيف، الذي استمر طوال حياته، على ما أسماه ’’ la lingua dei padroni ‘‘ [ ’’ لغة الآباء ‘‘ ] ( اللغة الفصحى البورجوازية ) له جذور عميقة. بعد تخرّجه من كلية الآداب جامعة بولونيا في عام 1943، انتقل مع أبويه الى كاسارسا، مدينة صغيرة في مقاطعة فريولي قرب الحدود اليوغسلافية. فريولي، كانت مسقط رأس والدة بازوليني، سوزانا، وارتباطه بالمنطقة كان امتدادا لحبه العميق لها ( لعبت دور مريم المتقدمة في العمر في " الإنجيل وفقا لماتيّو " ). أولى قصائد بازوليني كانت مكتوبة باللهجة الفريويلية: كان طموحه أن تصبح المجتمعات الفلاحية للناطقين بالفريولية (( واعية تاريخيا ))؛ هو، بازوليني، بات الوسيط لوعيهم.
سنوات كاسارسا كانت مكتنفة بفضيحة. في عام 1949،أتُهِمَ بازوليني (( بإفساد القاصرين وبأفعال فاحشة في مكان عام )). ما حدث لم يكن جليا، برغم أن الفضيحة كان يُفترض ان لها صلة بميوله المثلية. تم طرده من الحزب الشيوعي الايطالي فرع كاسارسا، وفرَّ مع والدته الى روما، (( كما في رواية ))، كما يتذكّر قائلا فيما بعد. كان القرار أتُخِذَ من دون استشارة والده، كارلو، الكحولي، ضابط المشاة الذي خدم في شرق افريقيا في ظل حكم موسوليني، والذي تركاه وراءهما في فريولي.
 عن: الغارديان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

مشاركة 25 ألف مركبة خاصة و350 باصاً في نقل الزائرين

660 ألف طفل في قطاع غزة لا يزالون خارج المدارس

وزير الخارجية: القوات الأمريكية ستبقى في العراق بظل إدارة ترامب الجديدة

إيران: استقالة المسؤولين الإسرائيليين دليل على هزيمتهم

اسعار النفط العراقي تهوي لما دون 80 دولارا

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram