لم تكن مجرد حادثة بروتوكولية، قيام ضباط أمن مصريين بتفتيش وزير الخارجية الأميركي جون كيري وكبار معاونيه، عند وصولهم للاجتماع مع الرئيس عبدالفتاح السيسي، وإذا كان ذلك تصرفاً غير مألوف في التعامل مع كبير الدبلوماسية الأميركية، المعتاد على حفاوة تليق بالرؤساء، فإن للأمر دلالات سياسية، ورسالة كان لابد أن يتلقاها قبل الاجتماع، وهي تتعلق بمنافسة واشنطن للدور المصري، في وقف المعارك الدائرة بين حماس وإسرائيل في قطاع غزة، وأودت بحياة ما يزيد عن 1500غزاوي وأقل من 100 جندي إسرائيلي.
أرادت القاهرة تأكيد موقفها الذي كان شديد الوضوح، برفضها التنسيق مع واشنطن، في تقديم مبادرتها التي تعمدت إعلانها قبل وصول كيري إلى القاهرة، لتُبلغ الإدارة الأميركية أن هناك في قاهرة المعز قيادة جديدة عصية على التبعية، وأن هناك فرقاً حقيقياً بين ما كان سائداً قبل الثلاثين من يونيو وما استجد بعده، وأيضاً إفهام قطر أن دورها انتهى، رغم أنها عملت كمرسال بين حماس وإسرائيل، ونقلت شروط حماس لقبول وقف إطلاق النار في غزة والعودة للتهدئة.
الورقة القطرية تعمدت تغييب أي دور لمصر، وجوهرها إطلاق اليد الأميركية منفردة، باعتبار واشنطن الضامن والمرجعية لتنفيذ الاتفاق، وهي في واقعها ورقة لاستغفال الفلسطينيين، وتبييض صفحة الإخوان في قطر وتركيا وحماس عند الادارة الأميركية، دون أي اعتبار لتواصل جريان نهر الدم في غزة، أو السعي لتحقيق أي مكسب للقضية الفلسطينية ، كان المهم عند حكام المشيخة تقديم خدمة للأميركيين، كانت واضحة في النص على أن تعمل واشنطن وحدها على ضمان تنفيذ هذا الاتفاق، والحفاظ على التهدئة ومنع حدوث أى قصور فى التطبيق.
هي إذن مبادرة أميركية تبناها أتباع داعية الفتنة القرضاوي، لم يكن هدفها حقن الدم الفلسطيني بل استغلاله، ولم تكن تسعى لفك الحصار عن غزة، بقدر ما كان المطلوب فك الحصار الأميركي لحماس، وإذا كان هناك من يشكك في الأمر، فليعد إلى تصريحات خالد مشعل لموقع المونيتور الأميركي، التي قال فيها متودداً لإدارة أوباما، إن هناك قوانين اميركية تكبل يد الرئيس في الاتصال بحماس، وبديهي أن ترفض القاهرة أن يكون الدم الفلسطيني ثمناً لفك حصار واشنطن لحماس.
لتحقيق غاياتها لعبت حماس منفردة وبعيداً عن شركائها في المعركة، وذلك ما دعا حركة الجهاد الاسلامي للتبرؤ من التحرك القطري، ورفضها أن يكون لأميركا أي دور، كما رفضت أي مؤامرة لتغييب الدور المصري، ووضع البيض كله في سلة واشنطن، التي يدرك الجميع انحيازها للدولة العبرية وقراراتها وحروبها، بغض النظر عن انتهاكها للمواثيق الدولية، وإن توهم البعض أن ما يحيط "بالمبادرة المؤامرة" من غموض، بحديثها عن ميناء ومطار ومساحة صيد ورفع الحصار، وكأنهم اكتشفوا المعجزة السياسية، يمكنه أن يخدع الفلسطينيين فإن ذلك يعني الجهل بالواقع السياسي الفلسطيني.
يعرف الفلسطينيون جيداً أن الورقة القطرية الأميركية أغفلت عمداً الإشارة إلى ضرورة التزام إسرائيل بتنفيذ اتفاقاتها مع منظمة التحرير، وعودة الأوضاع لما كانت عليه قبل عام 2006، والتشديد على عودة العمل بالمعابر كافة بما فيها إعادة العمل بالممر الآمن بين الضفة والقطاع، ويدرك أبناء هذا الشعب المناضل أن وضع معبر رفح وآلية تشغيله المقترحة ضمن تلك الصفقة، يستهدف عملياً إحراج مصر، ويعني ذلك في آخر الأمر أن الوصفة أميركية تبنتها قطر لصالح الإخوان ضد مصر، والتشكيك بتمثيل المنظمة للشعب الفلسطيني.ما يجري في غزة شديد البشاعة، وأبشع ما فيه مشاركة حماس في استغلال دم شعبها لصالح الإخوان.
التآمر القطري والدم الفلسطيني
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2014: 09:01 م