قبل يوم من إجراء الانتخابات المحلية السابقة ، كان الراحل احمد المهنا في العاصمة بغداد ، استجاب لطلب فضائية الحرة ليكون ضيفها مع آخرين، لتغطية الحدث ، وتسليط الضوء على "التجربة الديمقراطية في العراق"، زاره احد اصدقائه في بيته الواقع بحي السفارات، وما ان دخل صالة المنزل حتى سمع المهنا يردد اغنية وردة الجزائرية "اكذب عليك " وبعد التحية والجواب على سؤاله الشهير "شلون شبابك " اشترك الاثنان في الغناء ، فاعترضت السيدة ام زيد زوجة المهنا على الأداء ، ويبدو انها شعرت بان زوجها وصديقه ارتكبا "مجزرة موسيقية" وبعد دقائق سمع صوت الاغنية من هاتف السيدة ام زيد ، التزم المهنا الصمت ، وبعد نزول زوجته ، لتتوجه الى حي الأعظمية ، واصل الاتصال بزوجته ليطمئن على وصولها ، واصر على ان يسمعها "اكذب عليك ما تشوفلي بر وانا امشي عليه ".
في أمسية جمعت المهنا بأصدقائه العاملين بفضائية الحرة ، قيس حسن ، وفاضل النشمي وكاظم مرشد السلوم ، واحمد السعداوي ، وعلى الغزي ، وعارف الساعدي ،وغيرهم ، فرضت "اكذب عليك" وأخواتها حضورها في الجلسة ، ولكن هذه المرة بواسطة هاتف السلوم ، واستجابة لطلبات المستمعين ، اسدل عارف الساعدي الستار على الأغاني العربية بأداء طور "الساعدية" ليشد انتباه الحاضرين ، الى لون غنائي محلي ينسجم مع حدث اجراء الانتخابات المحلية ، وسط تطلعات الجميع بان تكون فرصة لتوطيد النظام الديمقراطي وازلة هموم ومعاناة "متكلسة" في نفوس الكثير من العراقيين ، علقوا آمالهم على الساسة في ارساء قواعد دولة المواطنة وبناء عراق جديد ، ولكن بروز الصراع على السلطة بعد الغزو الاميركي للبلاد ، بدد الآمال والأحلام وترك غصة مرة في نفوس الحالمين في ان يروا وطنا معافى ، يتجاوز محن عشرات السنين الماضية ، وتركة ثقيلة ، مازالت اثار بشاعاتها، تستعرض تفاصيل " التراجيديا العراقية" وليس ثمة امل في إسدال الستار على فصلها الاخير ، وربما لهذا السبب كانت" اكذب عليك "تعبر بشكل غير مباشر عن خيبة امل كبيرة من أداء سياسي لم يفهم بعد اصول اللعبة الديمقراطية ، وأمامه عدة سنوات ضوئية ليتعلم مبدأ التداول السلمي للسلطة عن طريق صناديق الاقتراع .
عندما تولى المهنا رئاسة تحرير جريدة العالم ، كلف صديقه عبد الخالق كيطان بمسؤولية الإشراف على صفحة اراء في الجريدة، انطلاقا من ايمانه بتشجيع هذا النوع من الكتابة ، فتح للكتاب نافذة واسعة للتعبير عن ارائهم ، واستطاعت صفحة "كيطان " ان تستقطب عشرات الكتاب ، من دون وجود اي اثر للخطوط الحمر ، المعتمدة في بعض الصحف الاخرى ، فكانت مساحة الحرية واسعة ، وعندما نشر احد الكتاب مقالا بعنوان "ميزانية علاوي وبلنص المالكي" تلقى اتصالا هاتفيا من رئيس التحرير المهنا ، ليخبره بانه المقال اجبره على الضحك وجعله يتجرع مرارة الواقع العراقي، وتلك المرارة ، نقلت المهنا الى عالم اخر .
احمد المهنا.. اكذب عليك
[post-views]
نشر في: 2 أغسطس, 2014: 09:01 م