لم تولد "المدى" لتكون صرخة في واد غير ذي زرع، ولا لتكون مجرد رقم يضاف إلى الصحف الصادرة في العالم العربي، وبعضها ليس أكثر من أوراق صفراء ملوثة بحبر الارتزاق.
لقد ولدت لتكون صوتاً مدوياً في بريّة الحق والخير والجمال، منبراً للحرية والديمقراطية والعدالة، وسيفاً مشهراً ضد الظلم والفساد والفوضى، جمعت على صفحاتها الطاهر من الأقلام، وتابع محرروها أحداث العراق بنزاهة ومهنية، فكشفوا منابع الخلل دون وجل أو خوف من طيور الظلام وزوار الفجر ومحترفي القتل، كانت، وستظل، زهرة فواحة بالعطر، أينما تصفحها قارئ، وكلما تقدمت المدى المؤسسة إلى الأمام وهي تمتلك كل أدوات الإعلام الحديث من وكالة أنباء ودار للنشر وإذاعة وفضائية.
حين كانت المدى مؤسسة في دمشق، كانت عينها على الحرية وكرامة الإنسان وحقه في العيش، وكانت عينها على العراق، وحين تفتحت أزهارها على ضفاف الرافدين ظلت وفيّة لرسالتها، فطورتها لتكون بديلاً عن ما عجزت الحكومات المتعاقبة عن تحقيقه، رغم ما تتمتع به من إمكانات هائلة يغيب عنها حسن التخطيط ووضوح الهدف، بينما واصلت المدى بإمكاناتها المتواضعة صعودها وتقدمها وتألقها ونجاحاتها، وهي على ثقة بقدرتها على تحقيق أهدافها بالصبر والتمسك بعروتها الوثقى "ثقة القارئ ودعمه".
حين ولدت المدى الصحيفة على ضفاف دجلة والفرات، كانت طموحاتها بغير حدود، كانت تأمل أن تكون رسالة المواطن العراقي إلى العالم العربي، تنقل له ما يجري، وتنقل عنه للعراقيين ما يجري حولهم، غير أن تحقيق هذا الهدف ظل محصوراً في موقعها على الشبكة العنكبوتية، وهو موقع يؤدي الدور بجدارة في حدود إمكاناته، لكنه يسد ثغرة كان مأمولاً أن يسدها عطر الحبر وملمس الورق.
قد تكون شهادتي في المدى مجروحة لكوني أحد أبنائها، وربما لصداقة حقيقية تجمعني بكبيرها فخري كريم، لكنني وأنا أتابع الصحف العراقية أشعر بالفخر لكوني أتشرف بأن أكون واحداً من كتابها، وهي المتميزة بنزاهتها ومهنيتها وشجاعتها الأدبية البعيدة عن التجريح الرخيص، وها أنا اليوم بعد سنوات من التعامل الشريف مع المدى المؤسسة والصحيفة، ومع الاحتفال بذكرى تأسيسها، أشد أزر نفسي لأواصل المسيرة متسلحاً بنفس الإيمان الذي دعا لصدور " المدى" الباحثة عن الحقيقة والمدافعة عنها.
المدى وشرف الكتابة على صفحاتها
[post-views]
نشر في: 4 أغسطس, 2014: 09:01 م