لا يمكن النظر إلى ما يحدث في عرسال اللبنانية، على أنه مجرد رد فعل على اعتقال أحد قادة المجموعات المسلحة في المنطقة، ذلك أن التطورات المتسارعة تشير إلى أن هجوم المسلحين كان مدبراً ومحضراً بشكل مسبق، حيث انقض المسلحون بسرعة، وطوّقوا المراكز العسكرية، واختطفوا عدداً من العسكريين، ويبدو أن الداعشيين على وشك المبايعة بالإمارة لأبو حسن الفلسطيني، المكلف بطلب البيعة للخليفة البغدادي، ويسعى هؤلاء لربط عرسال بالبادية السورية، وبدا ملفتاً أن جنود الخلافة، المقدر عددهم بأربعة آلاف ينتشرون في بقعة جغرافية واسعة، يقومون بتصفية كل الجنود والضباط السنة والشيعة، ويحتفظون بالمسيحيين بهدف مبادلتهم بالموقوفين من تنظيمهم، وهم يعملون على التواصل مع بلدة القريتين السورية، التي تعتبر أحد معاقل داعش، بهدف فصل دمشق عن حمص، وفتح ممر بين جرود القلمون والبادية.
كان متوقعا انتقال شرر الحرب في سوريا إلى لبنان، بعد عدم احترام سياسة النأي بالنفس، حيث انقسم لبنان بشدة بين داعم للنظام السوري ومؤيد للمعارضة التي تقاتله، وهكذا وجد وطن الأرز نفسه وقد انتقل هذا النزاع الى داخل حدوده، حيث قتل حتى الآن ما يقارب العشرين عسكرياً، إضافة الى عشرات المسلحين، في عرسال التي باتت الضحية الأولى لشعار "شعب واحد في بلدين"، الذي دفع بعض مناصري نظام الأسد، إلى الاستخفاف بمبدأ عدم التدخل في شؤون الجيران، في حين تحولت منطقة عرسال وجرودها إلى ملجأ لتجمع كبير من الهاربين من الحرب السورية، كما جعلها موقعها على تخوم خط النار الملتهب في منطقة القلمون، جزءاً من تلك الحرب، تتعاطف مع ضحاياها نتيجة انتمائها المذهبي، وتتعرض للاتهامات من قبل النظام السوري ومناصريه، بحجة إيواء المعارضين وتسهيل علاجهم داخل البلدة، أو تسهيل تنقلهم عبر الحدود.
منذ بداية الأزمة السورية، طالب العقلاء من كل الطوائف اللبنانية بالنأي بالنفس عن هذا الحريق، المندلع بخلفيات طائفية في المنطقة كلها، ولم يكن ممكناً للبنان بحكم تركيبته الطائفية واستغلالها من قبل الساسة المحترفين، أن يبقى بمأمن من ذلك، فيما تأخذ الحرب في سوريا طابع الصراع المذهبي الواضح، حيث برزت "داعش" و "جبهة النصرة" لتحلا محل المعارضة المعتدلة، وهما كما ينبغي التأكيد "إرهاب" لا ينتمي سلوكه الى هذا العصر، وهو ليس صوت السوريين والعراقيين واللبنانيين بطبيعة الحال وبخلاف سوريا والعراق، فإن في لبنان اليوم التفافاً واسعاً حول جيشه في المعركة، التي يخوضها لاستعادة سيادته.
عرسال اليوم تحت سيطرة داعش والذين معها، وتحريرها يتطلب معركة صعبة وطويلة، لن يكون بمقدور الجيش حسمها منفرداً، وربما كان محتاجا لإسناد سوري ومن حزب الله، غير أن ذلك يتطلب توافقاً سياسياً، على ضرورة سيطرة الجيش الكاملة والمطلقة على كل نقاط التماس مع سوريا، وهو ما يرفضه البعض، ويؤيده آخرون بشدة وهم واثقون بعدم قدرة وطن الأرز على تحمل موصل ثانية، لايعني ذلك توقع اشتباك سياسي لبناني، ولا حتى انهيارات أمنية، وسينحصر الأمر في حدود ردود الفعل، على ما يجري في سوريا، وضرورة مراجعة المواقف حول الموقف من الازمة القائمة هناك، بينما ينتظر كثيرون مبادرة سورية يدعمها حزب الله، تتمثل بالعمل سريعاً، على تأمين عودة النازحين السوريين إلى وطنهم، بغض النظر عن الشروط الأمنية والسياسية، ليكون متاحاً التعامل مع الداعشيين، بالقسوة التي تجبرهم على الاختيار بين الموت أو إلقاء السلاح، خصوصاً وأن العمليات التي يخوضها الجيش في عرسال ومحيطها تحظى بدعم دولي استثنائي، تجلى في موقف حازم اتخذه مجلس الأمن بالإجماع، وهو مالم نشهده حين تمددت دولة الخلافة على الأراضي السورية والعراقية.
إمارة عرسال الداعشية
[post-views]
نشر في: 6 أغسطس, 2014: 09:01 م