ما يؤسس له السيد المالكي من تشبث بالسلطة والولاية الثالثة عبر التعكز على الشرعية والدستورية، وما يصر عليه كثيرون في مواقف متفرقة في الجيش والحياة المدنية بدعوى صحة ما يذهبون اليه خلافا لما هو كائن وواقعي، وما يؤكده آخرون في مراكز قوى مختلفة من أحقية آرائهم في قضايا لم تعد تمس حياتنا من قريب او بعيد، وما يبرره طلاب في المدرسة، موظفون في دائرة، عمال في مسطر وسواهم من ممارسات دينية ،طقوسية توارثوها عن أسرهم يؤكد على اننا امة لا تريد ان تتغير على الرغم من يقيننا بان تقربنا إلى الله لم يكن إلا زيفاً، وتقوانا ونسكنا وممارساتنا المغلفة بأكثر من سبب لم تكن إلا لمصلحة ضيقة، آنية، لا نريد بها وجه الله والانسانية، لا بل أن يقيننا السياسي المبطن بشتى انواع الانتماءات السيئة دائما هو من أوردنا المهالك والمصائر القاتلة.
في مقطع صغير يظهر احد مقاتلي "داعش" وقد امسك به جنودٌ من فصيل قتالي نسمعه يقول: لا تلمسني يا رافضي، أقتلني يا رافضي، لا تركلني يا رافضي، فيما يصيح به احد الجنود شاتما أبا بكر البغدادي، ونسمع منه شتائم اخرى تنال من بعض الرموز الاسلامية، فيرد الداعشي: أنتم صفوية، مجوس، عملاء إيران. قد تبدو الحوارية المستعجلة هذه عارضة لا معنى لها، او لنقل تقليدية في مجتمع منقسم طائفياً لذا، فهي متشنجة بين فريقين متحاربين، لكن مراجعة متأنية لزمن التأصيل الذي تضافر على انتاج هكذا مقولات يجعلنا امام ما نجنيه الآن. وما تمسكُ المالكي بولايته الثالثة متذرعا بالدستور، وإصرار الشيعي على قولة (نحن أصحاب الدليل) في حواره مع نظيره السني، ومقولة سكان الغربية التي تشير إلى احقيتهم في الحكم أو قولة أحدهم بأن مرجعية فلان الفلاني هي الأحق دائماً، ومثل هذه وتلك انتجت لنا خطاباً متشنجاً، غير متهاون، يرفض فيه الجميع وجود الجميع.
تنشد مجموعة غنائية انشودة وطنية تم تصويرها في إحدى الكنائس تتحدث عن مشاركة مسلمة مناصرة لما يتعرض له الاشقاء المسيحيون من ظلم على يد داعش والجماعات المسلحة، وتقيم مجموعة مصلين من الشيعة صلاة جامعة في مسجد لأهل السنة، ويتحدث العرب بلسان "يقطر" وطنية ومشاركة عن الكرد ومثل ذلك نسمع عن الصابئة والشبك والأيزيدين في اعتقاد منهم بان روح الوطن والمواطنة تكمن في مثل ممارسات كهذه، في وقت يشعر معه كل فريق بتفوقه ونبل منبته وطهر دمه وقوامة وجوده غير مدركين جوهر وحقيقة العيش الانساني الذي يجب أن يكون عليه الآدميون. وما تجارب الشعوب في المواطنة ببعيدة عنا وقد تخلصت تماما من امراض العرق والدين والطائفة لصالح كل ما هو وطني وإنساني .
يستخدم القائمون على معظم القنوات الفضائية العراقية بشقيها الشيعي والسنّي في تصديهم او تطرقهم للحرب التي يخوضها الجيش العراقي مع داعش خطاب النظام السابق في التحشيد، وتغالي بعضها في إظهار مناقب آل البيت في ظن منها بان ذلك نافع في التحشيد والتصدي، فيما تذهب قنوات سنية إلى مناقلة أغاني واناشيد الحرب العراقية الايرانية لمصالح طائفية، ميدانية، محدودة النتائج وقد أفرغت الساحة من الخطاب الوطني الخالص، العابر للطائفة وبهكذا ضيقٍ وشحٍ في الرؤية تضيع علينا الفرص الحقيقية في المعالجات.
لم يكن الدستور مقدساً إذا تقاطع مع مصلحة الوطن والانسان فيه، كذلك لا نفترض قدسية للنص الديني إذا كان قاتلا مقطّعاً لأوصال الوطن والانسان فيه، ولن يكون عموم التشريعات والأعراف والتقاليد مقدساً ما لم يكن وجود الاوطان والانسان ومستقبله غاية نهائية فيه. ما يؤسف له أن العراقي بخاصة والعربي المسلم بعامة وفي كثير من سلوكه وممارساته مستعد للقتل -سلبا وإيجابا- في سبيل ما يعتقد ويؤمن، دون التبصر في ما يعتقد ويؤمن الآخر ذلك لأن شعوره الانساني قد ضمر وتقزم ولم يعد يرى ما سواه.
بين النسك وسواه
[post-views]
نشر في: 9 أغسطس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...