كان ممكناً قبل سنتين، عندما طُرح سحب الثقة من المالكي، اجراء اصلاحاتٍ على مراحل في هياكل الدولة، واتخاذ اجراءات وتدابير حكومية لمعالجة الثغرات التي فككت اجهزتها وعطلت مناقشة واقرار قوانين حيوية في مجلس النواب. وربما كان البعض يتصور ان ذلك لا يحتاج
كان ممكناً قبل سنتين، عندما طُرح سحب الثقة من المالكي، اجراء اصلاحاتٍ على مراحل في هياكل الدولة، واتخاذ اجراءات وتدابير حكومية لمعالجة الثغرات التي فككت اجهزتها وعطلت مناقشة واقرار قوانين حيوية في مجلس النواب. وربما كان البعض يتصور ان ذلك لا يحتاج الا لبعض الترقيع والمداورة السياسية.
ان ما جرى من اهتراءٍ في الحياة السياسية، وتصدعٍ في كل مرافق واجهزة الدولة، وتفككٍ في العلاقات بين قوى العملية السياسية، وانهيار امني أدى الى الفوضى، واستباحة الارهاب وداعش لأغلب مناطق العراق، والاستيلاء على اراضٍ واسعة واموال وفيرة واسلحة وعتادٍ لم يسبق للارهابيين امتلاكه في اي موقع من مواقع تواجدهم ونشاطهم، جعلنا امام واقعٍ يتميز بالرخاوة والتفكك والانتقال من الهجوم الى الدفاع.. كل ذلك يتطلب اصلاحاً سياسياً بنيوياً، يتناول عمق الظاهرات على تنوعها واختلاف ميادينها، وتسابقاً مع الزمن بوتائر متسارعة، وتدابير مترابطة، وعزماً يعتمد تضافر الارادات الوطنية، دون استثناءٍ او تجاوزٍ، لأي سببٍ كان أو تحت أية ذريعة.
ومثل هذا الجهد الوطني، ليس له من سبيل سوى اشاعة مناخٍ من الثقة المتبادلة بين الفرقاء، بدءاً من دفق قناعة مباشرة "بالاعمال "وليس بالاقوال في صفوفها، وجعلها على ثقة من أن دولاب الاصلاح جاهز للدوران، وانه بدأ يتحرك لازالة انقاض الماضي وتسليك طريق الاصلاح الجاد.
ان نهج الاصلاح، مهما كانت سويته، يحتاج الى فريق عملٍ منسجم، على الاقل في التوجه العام، وفي ادراك المخاطر والتحديات وما تتطلبها من ارتقاءٍ بالوسائل والادوات واختزال الزمن. وغني عن القول ان مثل هذا النهج والتوجه يتعارض كلياً مع ما اعتمده الفريق الراحل مع رئيسه، بكل ما ينطوي عليه من مفاهيم للحكم، واساليب في التسلط والانفراد واحتكار السلطة. وستظل هذه الممارسات والمفاهيم تخيم على الحياة السياسية وبين جدران مؤسسات الدولة، ما لم يتم ازاحة رموزها وتجلياتها العملية، والتصدي لما أنتجته من خرابٍ وفسادٍ وتدمير، وما تمخضت عنه من ثقافة الكراهية ، واحتقار التنوع، ومواجهة الاخر بالاقصاء والقمع والحجر والتصفيات السياسية والجسدية.
والثقافة البديلة تنطلق من رؤية الدولة كملاذٍ آمن لكل عراقية وعراقي، والتعامل مع السلطة باعتبارها اداة توكيل عن المواطن لتيسير حياته، وتمشية معاملاته، وضمان امنه ومصالحه، وحماية حرياته، وتحقيق اسباب الرخاء والتطور والعدالة الاجتماعية، وصيانة المصالح الوطنية العليا للبلاد والدفاع عن السيادة والاستقلال.
ومن بين التطمينات التي يتطلع اليها العراقيون، تصفية مظاهر القرابة والمحسوبية في مكاتب رئيس الحكومة اولاً والوزراء والمسؤولين الكبار بعده، ومن بيده الحل والربط في كل مرافق الدولة والحكومة دون استثناء. وهذا الاستثناء والتطمين يشمل ايضاً الحد من مظاهر "تحزيب" الحكومة ومكاتبها ووزاراتها. فاذا كانت المحاصصة الطائفية قد اصبحت قدر العراقيين الى حين، فليكن تجسيد ذلك في الهرم الحكومي "الوزارات"، دون ان تغطي مساحة كل وزارة بحيث يحتاج المواطن المراجع الحصول على تفويض حزب الوزير او المسؤول ليقضي شأناً حياتياً لا مفر منه.
على السيد حيدر العبادي ان يتدارك ما اصاب حزبه، وشاب سلوك قيادته نتيجة السياسات التي قادت البلاد الى ماهي عليه الان، وبالتالي فان عليه ان ينأى بنفسه عن اي سلوكٍ سياسي أو شخصي كان وراء ذلك. ومثل بلادٍ تحترم شعوبها، قد يكون مناسباً ان كان ذلك ممكنا، تجميد نشاطه الحزبي طوال توليه المسؤولية، وهذا ينطبق على غيره من كبار المسؤولين في المراكز السيادية المقررة، دون استثناء رئيس الجمهورية، والخروج من عباءة الحزب، الى فضاء الدولة والسلطة، وهما فضاءان يتسعان لشعبٍ فوضهم، واناط بهم مسؤولية ما نص عليه الدستور، لا النظام الداخلي او البرنامج السياسي والأيديولوجي لاحزابهم وانتماءاتهم على اختلاف مشاربها.
ان انقاذ العراق، مهمة لا تقبل التسويف أو التأجيل او التخبط في سلسلة من التجربة والخطأ المعروفة عواقبها من متابعة التاريخ القريب لشعوب الدول العربية. والخطوات المطلوبة بيّنة لكل ذي عقل ودراية بالشأن السياسي:
- حكومة وطنية جامعة، لا تستثني ولا تقصي، على ان يتم اختيارها بين الكفاءات وذوي الخبرة، ممن له الشجاعة في التصدي للمسؤولية، والجرأة في المشاركة في اتخاذ القرار.
- اعادة بناء القوات المسلحة هيكلياً وتطهيرها من المحسوبية والدمج المخل. وتحصينها بالعقيدة الوطنية وتثقيفها بوصفها جيش البلاد لا تبعية الحاكم، وتحديد مهامها الدفاعية بعيداً عن التعرض للمواطنين، وإعادة إنتاجهم بثقافة الاستبداد والقمع.
- انهاء المظاهر غير الدستورية في الدولة ومرافق الحكومة.
- الغاء أي تشريع يمس صلاحيات مجلس النواب، كسلطة للتشريع والرقابة، واعتباره "سيد نفسه" لا سيادة عليه من اي سلطة، بما في ذلك السلطة القضائية، وإلغاء ما اتُخذ من قرارات وأحكام تحدّ من صلاحياته تحت تاثير الوضع الشاذ الذي سيطر على البلاد .
-اتخاذ كل ما يلزم لتطمين اهالينا في المناطق المأسورة تحت سلاح داعش والمكون السني بوجه عام، والاستجابة لمطالبهم العادلة، وصياغة حزمة قرارات سياسية وامنية واقتصادية تدخل في صلب ما يجري التوجه لتطبيقه، لاستعادة اللحمة الوطنية وعزل الارهاب وكسر شوكته.
-الانفتاح دون تحفظ على اقليم كردستان، وازالة الشكوك والهواجس بين الطرفين، والتمكين المتبادل لفتح آفاقٍ غير محدودة للعمل المثمر المشترك، واستقواء الطرفين بعضهما بالبعض الاخر، واتخاذ الاجراءات والتشريعات الضرورية لتطمين الاقليم بما يصفي الاثار السلبية الماضية. ولا يجوز المناورة في تعطيل مستحقات الاقليم من الموازنة او اعتماد التبريرات للابقاء على جذور الازمات التي لا يزال الدخان الاسود ينفذ من مواقدها.
-ان التعجيل بتشكيل الحكومة لن يتحقق دون اتفاقٍ بين الشركاء المتخاصمين على برنامج عمل مشترك، وتسوية فورية لاسباب الاختلاف والازمة المتفاقمة، ورسم خارطة طريق تتحدد فيها المعالم والدروب ووسائل الحركة.
-ولا ينبغي البدء في ذلك بالعودة الى نقطة الصفر، اذ جرى التوافق على طائفة واسعة من المطالب والتوجهات والاجراءات عشية تشكيل الحكومة السابقة عام ٢٠١٠ وتعهد الفرقاء بالتزام البنود المقرة الموقع عليها، والمضي لمعالجة ما تبقى منها قيد الحوار. كما ابرم المالكي اتفاقات اخرى منها ما وقع عليها بوصفه ممثلاً لحزب الدعوة مع رئيس الاقليم، وتعهد بغيرها بضمانة اميركية مع قيادة كتلة العراقية والدكتور اياد علاوي، وهي كلها مطلوبة للتطبيق من حكومة السيد العبادي .
-قد يتحقق الوفاق بين الفرقاء، وتتراجع الازمات، ويتكاثر تبادل القبل بين القادة امام شاشات التلفزيون والصور الفوتوغرافية التذكارية المخادعة، لكن ذلك كله لن يغير شيئاً من الاحساس المرير في نفوس العراقيين، اذا لم يجر الشروع الفعلي بتلبية مطالبهم بتوفير الامن والاستقرار والخدمات وتصفية البطالة وكل المطالب التي بات المواطن والمسؤول يحفظها عن ظهر قلب!
-ويبقى الدستور ينتظر الخروج الى النور من الادراج المظلمة ليصبح المرجع والسيد والمقرر لما كان وما ينبغي عليه ان يكون ..!
-يظل هذا الفيض، قليلاً من كثير ينتظر تأكيد انتقالٍ من حالٍ الى حال.
* في عدد الغد: الانفتاح على الخارج
جميع التعليقات 2
زيد
بسم الله الرحمن الرحيم تحية طيببة للاستاذ كريم . ثمة مفارغة في كلامك على ان التخلي عن المبادى لايمكن اذا كنت تؤمن بها مثلا ............. وأنما هنالك امور يجب ملاحطاته في السياسية كونه التغلب في الاوراق اثبات الحق كيف ؟ الكلام لك ..............
مەلا فرمان
اشرت الی نقاط جیدە، ولکن من المستحسن ان یشار الی المشاکل بصورە مباشرە. مثلا، بالنسبە لکوردستان و خاصە الشارع الکردی، یجب ان تعمل الحکومە علی اعادە ثقە الکورد ببغداد، تتم ذالک فقط باعادە المناطق المتنازع علیها و تحدید حدود اقلیم کوردستان. و اعتراف الجمیع