يتمثل النبي نوح وحيداً ومحاطاً بمجموعة من الحيوانات ، حمارين صغيرين ، كلب ، معزة ، أفراخ دجاج ، وعبر النافذة تتساقط الأمطار بغزارة كما في أول أيام الطوفان ، هكذا كانت نهاية الكاتب السكير العاشق ، فالحب بالنسبة لكازافيتس المخرج كما صرح يوماً هو (( ذلك

يتمثل النبي نوح وحيداً ومحاطاً بمجموعة من الحيوانات ، حمارين صغيرين ، كلب ، معزة ، أفراخ دجاج ، وعبر النافذة تتساقط الأمطار بغزارة كما في أول أيام الطوفان ، هكذا كانت نهاية الكاتب السكير العاشق ، فالحب بالنسبة لكازافيتس المخرج كما صرح يوماً هو (( ذلك الشيء الغامض ، القاسي والعذب ، الذي يتغلغل في الأنفس ويخرج البشر عن أطوارهم )) .
وكازافيتس من المخرجين / المؤلفين الذين يختفون تماما خلف شخصياتهم ، وأحد مؤسسي الموجة الجديدة الاميركية في السينما ( الأندر غراوند) التي تميزت بخروجها عن الخط التجاري الاستهلاكي وتقديمها محتوى إبداعيا أكثر حرية ورقياً، وغالباً ما تكون معبرة بقوة عن آراء تلك الموجة ، كذلك هو أحد المخرجين الذين لم يكن لهم يوما مكان في هوليوود بسبب رفضه ولـربع قرن مساومة الشركات الكبرى على فنه ، فرفض عروضهم بإخراج أفلامهم التجارية ومنها فيلم سلفستر ستالون ( روكي) وغيرها ، فنراه يحيط نفسه بفريق عمل من الممثلين المقربين له وهم دائماً معه في اغلب أفلامه ، صديقيه بيتر فالك وبن كازار وزوجته جين رولاندز ، اضافة الى انه يصور معظم أفلامه في منزله نفسه مستخدما بذكاء ديكور المنزل وأثاثه والإنارة التعبيرية فيه .
في (تيارات الحب) بحميمية خالصة يقدم فيلما عن الحب والشيخوخة ، قصة أخرى عن العاطفة التي في قلوب المحبين، قصة مختلفة عن الحب الاخوي الذي يربط كاتباً سكيراً بأخته ، ( هارمون) بعد طلاقه من زوجته يروح متنقلا بين أجساد النساء ، ومن بار الى آخر ، أخته هي الاخرى وبعد ان فقدت كل شيء بطلاقها من زوجها وتركها لابنتها معه، يختل توازن الحياة عندها ، وحده ، خيبات عاطفية ، دنو الشيخوخة ، فتشعر بانها على حافة الجنون ، هذا ما يجعل هارمون وسارة يتمسكان بأخويتهما كغريقين في محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الحياة أو على الأقل اختراعها بشكل جديد : يقول عنها ( الحياة عبارة عن سلسلة من الانتحارات والطلاقات ، ووعود كاذبة ، واطفال مكسورين) ، تسافر سارة الى أوربا حسب وصية طبيبها النفساني ، هارمون يعيش بعيداً عن العالم في بيته المنعزل والذي يصل اليه ليلياً مجموعة من سيارات التكسي التي تحمل بنات الهوى ، ليعيشن معه يوم ، يومان ، يأكلن ويشربن ويمارسن لعبة الجسد معه قبل ان يطل صباح جديد يحملن معه حقائب ثيابهن وظرف بريدي عليه اسمائهن في داخله مجموعة نقود، فيما تكون سيارات الأجرة في انتظارهن ، ذات يوم تتصل بهارمون زوجته السابقة لتعهد اليه برعاية ابنهما اثناء غيابها لبضعة ايام ، ليلة سعيدة يقضيها مع ابنه الصبي ، ثم يتركه في حجرة في فندق ليذهب لدورته الليلة بين اجساد النساء ليعود ويجد ابنه غارقا في دموعه ، لقد فشل في ان يكون اباً ولو ليومين ، يهرب منه الصبي يلحقه ويرجعه الى امه ، تعود سارة من رحلة يأسها الأوروبية ، هي الاخرى حاولت ان تنتقل بين أجساد الرجال هرباً من الشيخوخة ، تعود لتجد هارمون محطما أكثر من السابق ولا تجد غير مجموعة حيواناتها التي تحب تهديها اليه ، ليبقى وحيدا معها لكنه يردد بأن الحب ( تيار لايتوقف ).
يترك الفيلم عندنا انطباعاً حميمياً جميلاً وآسراً ، ربما لصدق المواقف وحميميتها ، وربما لروعة أداء كازافيتس وزوجته جين رولاندز ، ايضاً نجد في ( تيارات الحب) أكثر الثيمات التي يتعامل كازافيتس معها في أفلامه ، المرأة ووضعها كما في ( امرأة تحت التأثير) قلق الفنان وعزلته ( موسيقى بلوز متأخرة ، ليلة الافتتاح) العلاقة الأخوية ( ظلال) العلاقة الزوجية (وجوه ، أزواج ، ميني وموسكوفتيس) العلاقة بين الآباء والأبناء ( غلوريا ، الطفل ينتظر) حياة الليل والتشرد (المحتال الصيني) .
يعتمد كازافيتس في أفلامه على الممثل فهو مادته ، منه يستمد روح العمل ، من جسده وصوته ، حركته وإيقاعه ، ويضع الكاميرا في خدمته تصطاد افضل التعابير عنده وأبسطها ليتوجها بلقطة قريبة ترسخ في الذاكرة كثيراً ، ترجع خبرة كازافيتس في التعامل مع الممثلين كونه قد درس في ستوديو الممثل الشهيرة تحت إشراف اليا كازان ولي ستراسبورغ الى جانب جيمس دين ومارلون براندو ، اضافة الى تمثيله في مجموعة من الأفلام الجيدة تحت امرة مخرجين كبار كبطولته لفيلم المخرج رومان بولانسكي ( طفل روز ماري) ، كوَن كازافيتس لنفسه أسماً وسمعة كبيرتين وحصل على العديد من الجوائز والترشيحات السينمائية ، فقد حصل على جائزة مهرجان فينيسيا عن ( غلوريا) وبرلين عن ( تيارات الحب ) لكنه بقي منبوذا من هوليوود وبعيدا عن اوسكارها.