يعتقد أن العنصرية الحديثة في أوروبا تعززت سنة 1853 عندما قدم دبلوماسي فرنسي اسمه الكونت جوزيف أرتور دي جوبينو بحثا بعنوان ( دراسة حول اختلاف الأجناس البشرية ) الذي قال باختلاف درجات الذكاء بين الأجناس المختلفة التي قسمها بطريقة لاتنتمي الى الدراسات العلمية الرصينة . وقد رحبت الدوائر الاستعمارية بهذا الطراز من البحوث لترسيخ هيمنتها على الأجناس التي اعتبروها أدنى ذكاء وتطورا ، كما احتفت الأرستقراطية الأوروبية بهذه البحوث التي أرضت غرورهم وأثبتت مقولة ( الناس يؤيدون من يقول لهم مايحبون سماعه.)
وعلى هذه الأسس الواهية اشتد عود العنصرية الحديثة التي ترافقت مع ازدهار الصناعة والتوسع الاستعماري عندما بلغت الطبقة الثرية والأرستقراطية الأوروبية ذروة التوسع والنمو الاقتصادي والثقافي عند أواخر القرن التاسع عشر ، وكانت تنتظر أية فرضية علمية حتى وان كانت تعوزها الأدلة لتساندها وتثبت لها بأنها وحدها تمتلك الحق في السيطرة على العالم وشعوبه ( الأدنى ذكاء وتطورا).
بعد ذلك قدم العالم صموئيل مورتون بحوثا مقارنة حول حجم الدماغ لدى الأشخاص البيض والسود والصفر وأعلن ان حجم علبة الدماغ لدى السود أصغر من حجمها لدى البيض واستنتج فرضيات غير موثوقة ساعدت على دعم ( العبودية). ثم عمد علماء آخرون بعد ظهور علم النفس التجريبي الى قياس نسبة الذكاء التي تحولت نتائجها بالتدريج الى أساس عنصري للتميز الاجتماعي بين الاطفال والكبار على أساس مؤشر حاصل الذكاء لديهم.
وهكذا استعادت النزعات التعصبية مجدها وتعززت وازدادت وطأة اللاتسامح ، فالمتعصب في أوج عصر التنوير وإعلان فلاسفته عن حرية التفكير وحقوق الانسان والمناجاة بالديموقراطية والتسامح غير أن المتعصبين تشبثوا بنظرياتهم الملغومة وقسموا العالم الى حق وباطل وأسود وابيض واعلنوا ان معارضيهم على خطأ مطلق.
يشير الشاعر بول فاليري في خطاب شهير له في جامعة السوربون سنة 1932 قبل عام من صعود النازية الى أن ( اللاتسامح يمكن إرجاعه الى هوس النقاء ) ومعروف أن النازية كانت مهووسة بتميز العرق الآري فمارست التطهير العرقي لحفظ نقاء العرق الذي سمي بالآري خطأ ، فمصطلح الآري انحدر الى العالم من الهند كما يخبرنا غلين دانيال في كتابه (الحضارات الاولى – الأصول والأساطير- ترجمة سعيد الغانمي ) وأن لفظة (الآرية) لاتعني عرقا بل هي مصطلح لغوي وتسمية لطبقة اجتماعية اطلقه غزاة الهند الناطقة بالسنسكريتية- على أنفسهم كونهم آريين "نبلاء" وباتساع استخدام المصطلح صار يدل على الشعب الذي كان يتكلم تلك اللغة الآرية، غير أن الدعاية النازية استخدمت المصطلح ولوت عنقه لصالح عنصريتها في تبنيها لفكرة تميز العنصر الآري موحية بأن الآريين شقر وزرق العيون حسب المحددات النازية للمظهر الخارجي للعرق الآري بينما وصف غزاة الهند السكانَ الهنود بأنهم ( داسوس) أي سود البشرة و لايتكلمون اللغة الآرية وعاملوهم بمزيج من الاحتقار والتخوف والعنف الدموي كما يحدث في الحروب والغزوات عادة عندما تتعرض الجماعة المغلوبة للإبادة أو العبودية أو التنكيل والاغتصاب .
لايريد المتعصبون معرفة أسباب تعصبهم وتفكيكها فهم موقنون من امتلاك الحقيقة المطلقة التي لايمكن الجدال فيها ويدعون الآخرين الى الايمان بما يؤمنون به عنوة وإذا رفضوا فإن جزاءهم التهميش او الإقصاء والتصفية الجسدية وهي أقصى ماوصلت اليه نزعة اللاتسامح بتفشي الإرهاب المنظم في أيامنا ضد الأديان المختلفة، ولم يكن التشدد يوما حكرا على دين أو عقيدة بل هو سمة لكل مسعى توسعي عنيف ينتهجه دين أو معتقد ايديولوجي ليزيح العقائد السابقة له.
يتبع
العنصرية والتعصب والفرضيات المساندة
[post-views]
نشر في: 16 أغسطس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...