بغض النظر عن الحملة الشعبية المناوئة لبناء مفاعل نووي في الأردن، يقال إنه للأغراض السلمية، وخاصة توليد الطاقة، فإن الواضح أن هناك قوىً نافذة جداً في أعلى هرم الدولة، تُغمض عينيها وتصم أذنيها، وتمضي بالمشروع إلى نهاياته، في ظل حكومات لا تملك القدرة على لفظ "لا" ولو همساً، ومؤخراً بشرنا عرّاب المشروع الدكتور خالد طوقان، بأن اتفاقية تطوير المحطة النووية مع شركة روسية ستوقع في موسكو بعد أيام، بعد حصولها على موافقة مجلس الوزراء، وهي تتضمن الدراسات المتعلقة بالأثر البيئي ودراسات البنية التحتية, والطرق, إضافة إلى حالة شبكات الكهرباء وقدرة شركة الكهرباء الوطنية على استيعاب الطاقة الناتجة, ودراسات تفصيلية عن الموقع, وكلفة الكهرباء المولدة وسعر بيعها للشبكة الوطنية.
كلفة الدراسات هي فقط 46 مليون دولار, يدفعها المواطن الأردني "من طرف جيبه" لمراجعة الدراسات السابقة، وأجراء دراسات تفصيلية حول كلفة المحطة النووية، وتزويدها بالوقود النووي ومعالجة الوقود المستنفذ، علماً بأن كلفة إنشاء مفاعلين نوويين تصل إلى 10 مليارات دولار، سندفعها عن يد ونحن صاغرين للأصدقاء الروس، وليس هذا فقط، فنحن ما زلنا في طور دراسات الموقع والأثر البيئي، وسندفع الكُلفة لشركة كورية، دون أي اعتبار لما شهده العالم منذ أربعينيات القرن الماضي من كوارث نووية، حيث تعرض لأكثر من 750 حادثة نووية خلّفت آثاراً سلبية عديدة، في الدول والمجتمعات التي وقعت فيها.
يؤكد المعارضون للمشروع أن هناك مخاطر فنية كبيرة محتملة، جراء الزلازل أو سوء الإدارة، ويشيرون إلى أن الدول المتقدمة تضع خططاً ستراتيجية للتخلص من المفاعلات النووية، رغم أزمة الطاقة العالمية، وفي ذلك دليل واضح على ضخامة نتائج الكوارث النووية، وإذا نظرنا إلى الحالة الأردنية نجد أن احتمالات المخاطر عالية، كون البلد يقع في منطقة نزاع يُحتمل معها تعرض المفاعل لهجوم إرهابي، كرد فعل متطرف على أي موقف تتخذه عمان تجاه أي قضية، كما يؤشرون إلى ضغوط إسرائيل لمنع إقامة المشروع بالقرب من حدودها، وان يكون موقعه قريباً من مصادر المياه، في بلد لعل أبرز سماته هي العطش، ويبدو أن ذلك نجح حيث تم اختيار موقعه قرب محطة الخربة السمراء، والبعيدة عن حدود فلسطين.
يطالب المعارضون بالتوجه نحو الطاقة المتجددة، مؤكدين أن الأردن يملك من الثروات الطبيعية والقدرات، ما يؤهله لإيجاد بدائل أفضل وأكثر مناسبة للواقع البيئي، وكان المختصون في أكثر من مجال ناقشوا بدائل المفاعل النووي، ومنها الطاقة المتجددة والآليات التي من خلالها يمكن تنمية هذا القطاع والاستفادة منه، بدلاً من التوجه لمشاريع ثبتت خطورتها على المستوى العالمي، حتى باتت دول العالم المتقدم تسعى للتخلص منها وإيقافها، ويؤشر المعارضون أن فكرة المفاعل النووي، هبطت على الأردنيين بسرعة وبشكل مفاجئ، وتم تشكيل اللجنة الخاصة بتحديد موقعه، لتتخبط بسذاجة في تحديد المكان المناسب، ما ولّد العديد من علامات الاستفهام، حول آلية اتخاذ القرارات المصيرية والكبرى، كما في هذه القضية التي تشغل بال الرأي العام.
نحن إذاً أمام مشروع ملتبس، يرفضه المختصون كافة، ويتبناه وزير سابق ترك وزارته بعد عدة سنوات، مثالاً على الفشل والتخبط وعدم وضوح الرؤية وغياب التخطيط، لكن مشروعه سيمضي في طريقه دليلاً جديداً على الفساد، الممتد من عمان إلى موسكو، برعاية قوة تظن نفسها خفيّة، لكنها مكشوفة للجميع.