في مرات كثيرة أحاول ان أتخيل بماذا يفكر المواطن الأوروبي وهو يذهب في الصباح لشراء صحيفة او البحث عن كتاب جديد، بالتأكيد ستكون اهتماماته متعلقة بأحدث إصدارات دور النشر وهناك من يهتم بشؤون البيئة أو البحث عن أماكن لقضاء أيام الإجازات، وهناك نوع من القراء يصرون على تتبع أخبار المشاهير، او معرفة انواع جديدة من الزهور يزينون بها الحدائق، وأتخيل القارئ العربي على قلته وهو ضجر من الصحيفة وأخبارها التي لا تحمل الا وعدا بالخراب، وامالا بالخوف والرعب وأحاديث عن الفساد الذي استشرى في كل مكان.. اما القارئ العراقي فهو محاصر بين صحف تتقلب بين لحظة واخرى من افتتاحيات في مهاجمة "الخرق الدستوري" وعجز المرشح عن تولي المنصب الى مطولات وبنفس المكان عن الانجاز الكبير الذي تحقق باختيار هذا المرشح نفسه .. حتى ان البعض من "صبيان" الإعلام تقلب خلال 24 ساعة من اليمين الى اليسار ومن الشمال الى الشرق ليخبرنا في النهاية ان التغيير تحقق بفضل كتاب "هكذا تكلم زرادشت" .
ولأنني لا أريد ان ادخل القارئ في نفق مظلم عن غياب قواعد اللعبة الإعلامية التي يراد منها إنتاج حالة من الإسفاف، تجعل المشهد الإعلامي أشبه بسيرك يعج بكل أشكال التسلية.. سأتحدث عن الكتب، فقد قرات ضمن اخبار الكتب والمكتبات ان كتاب "التاو" حقق مبيعات قياسية في العديد من دول اوربا بحيث عد الكتاب الأكثر مبيعا هذا العام.. فيما وصفت صحيفة الغارديان البريطانية الأمر بانه محاولة لفهم فلسفة الشرق.
والتاو كتاب في الفلسفة كتبه الفيلسوف الصيني لاوتسو، وهو معاصر لكونفوشيوس، ويعده الكثير من الدارسين للفلسفة الصينية الفيلسوف الأول، وقد تصدى لترجمة الكتاب للعربية اثنان من اهم فلاسفة العرب المعاصرين وهما الدكتور عبد الغفار مكاوي في ترجمة نشرت باسم "كتاب الطريق"، وهادي العلوي في مختارات من التاو .. في ترجمتين، ترجمة العلوي بداية الثمانينيات فيما اصدر مكاوي ترجمته في منتصف التسعينيات، كتاب التاو عبارة عن قصص وأمثال وحكم ونوادر صيغت بأسلوب رمزي يجمع بين البساطة العميقة والشاعرية الأخاذة.
يقول فيلسوفنا الراحل هادي العلوي ان أصل كلمة تاو في اللغة الصينية هو الصراط، وفي الفلسفة يصبح هو الطريق الذي يأتي منه كل شيء والذي ترتد إليه كل الأشياء.
من بين الحكايات التي ضمها كتاب (التاو) في ترجمة مكاوي التي صدرت منها العام الماضي طبعة جديدة اخترت هذه الحكاية التي تفاجئنا بحداثتها برغم أنّها تعود إلى ما قبل ألفين وأربعمائة عام.
والحكاية تقول:
كان في بلاد "تسي" رجل يدعي "كوؤ" وكان غنيا جدا، وكان في بلاد "سونغ" رجل يدعي "هيانغ" وكان فقيرا جدا. ذهب الرجل الفقير إلى الغني وسأله ماذا فعل ليصبح غنيا؟! فقال له "بممارستي السرقة.فعندما بدأت أسرق حصلت، خلال سنة، على ما يفي بحاجتي. وفي غضون عامين أصبحت في بحبوحة، وخلال ثلاث سنوات أصبحت موسرا ثم أصبحت من الأعيان، ولم يطلب الفقير المزيد من الإيضاحات، فودّعه والأرض لا تكاد تسعه من الفرحة وشرع للتو في السرقة، يتسلق الجدران أو يثقبها، مستحوذا على كل ما يتفق ورغبته، لكن ما لبث أن ألقي عليه القبض. فأعاد ما استولى عليه إلى أصحابه وخسر زيادة على ذلك، القليل الذي كان يملكه من قبل، ولاعتقاده بأن "كوؤ" قد خدعه، ذهب إليه ولامه لوما شديدا، فسأله "كوؤ"،وقد عقدت الدهشة لسانه:
كيف تصرفت؟
وعندما روى له الفقير طريقته، صاح "كوؤ":لم أجمع ثروتي عن طريق هذا النوع من السرقة، فأنا سرقت بحسب الوقت والظروف، فقد استحوذت على الاشياء قبل ان تصل الى الناس، إن كل ما عندي سرقته، ولكن قبل أن يؤول الى اي شخص، أما أنت فقد سرقت ما تركته انا للناس، ماقمت به انا سرقة عامة لا يعاقب عليها، أما ما قمت به انت فسرقة خاصة ويعاقب عليها، إن الناس من امثالي يعيشون من سرقاتهم، دون أن يكونوا في هذا لصوصا".
انتهت الحكاية واعتقد انها درس في السرقة، اكتشفه بعض ممن تولى المسؤولية في بلاد النهرين خلال الاعوام الماضية .. طبعا من دون ان يعرفوا من هو" لاتسو" ولا قرأوا" التاو" لانهم لا يقرأون اصلا.. لكنهم وضعوا قواعد "إعلامية" لفن السرقة والانتهازية استمدوها هذه المرة من المرحوم نيتشه.
هكذا تكلّم "السراق"
[post-views]
نشر في: 17 أغسطس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
عمار القطب
قيادات العراق دائما متخلفة مئات السنين فلو كنا في عام 714 للميلاد وبنفس هذه القيادات ربما اقول ربما كنا بموازات الدول الاقليمية التي حولنا اما ان نكون في عام 2014 فلا اعتقد ان هذه القيادات ستفعل شيء يذكر .خاصة واننا منذ 2003 تركنا الاقتصاد بيد دكتور الطبي