TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بلد معاق

بلد معاق

نشر في: 18 أغسطس, 2014: 09:01 م

جرب ان تقول لإنسان سليم انك عاجز وسترى كيف تحبطه وتؤثر على معنوياته ، وجرب ايضا ان تقول لإنسان عاجز او ضعيف البنية انك قوي وقادر على العمل وموهوب فستراه يبدع ويبذل قصارى جهده ليحقق شيئا ويثبت انه لا يختلف عن البشر الأسوياء ..
قبل سنوات جربت ان اقول من خلال الصحافة لفتى فقد ذراعيه منذ ولادته انك موهوب وقوي حين التقيت به في معهد للمعاقين وكان قد أتقن استخدام الالة الطابعة بأصابع قدميه ...بعد نشر الموضوع ارسل لي رسالة شكر مكتوبة ( بقدميه ) طالبا مني إيجاد عمل له ، وباستخدام الصحافة ايضا ، نشرت رسالته ووجد نداؤه مجيبا في دائرة الرعاية الاجتماعية فعين فيها كاتبا على الالة الطابعة ..بعد سنوات ، التقيت الشاب في دائرته مصادفة ..كان قد غدا رئيسا لقسم الطابعة كما افتتح محلا قرب منزله ليصلح فيه الأجهزة الكهربائية ( بقدميه ) وكان قد طور موهبته في الرسم والكتابة ( بقدميه ) ايضا ..نسيت ان اقول لكم ان الابتسامة والأمل بالحياة لم يفارقا ملامحه منذ تعرفت اليه صبيا وحتى رأيته شابا ..قال لي في اللقاء الثاني انه قرر اما الزواج او السفر بعد ان كبر أشقائه الستة الذين كان يعمل لينفق عليهم ...تمنيت له التوفيق وتركته منذهلة من قدرته على تحويل الاحلام الى حقائق ..كان آخر ما سمعته منه انه سيواصل العمل ليشعر بوجوده على خارطة الحياة ففقدان ذراعيه لن يكون عائقا أمام تحقيق طموحاته ...
لا أدري ان كان ذلك الشاب قد تزوج وكون عائلة او سافر ليعمل ، لكن ما اعرفه ان كلماته تلسعني دائما بسياط القوة كلما وهن عزمي وفكرت ان القي بأسلحتي وأغادر الساحة بهدوء !
تذكرت الشاب المعاق حين تعاقبت تصريحات غربية وعربية عما آل اليه حال العراق بعد سنوات حكم المالكي وكيف تحول الى ارث ثقيل سيرزح على أكتاف من سيحمله ..البعض وصفه بالبلد المنهار وآخرون قالوا انه لم يعد العراق الذي يعرفونه ..باختصار فقد تخيلت بلدي كسيحا معاقا يحتاج الى معجزة لينتفض على عوقه ويكمل مسيرته بنجاح ..انه كذلك الشاب المعاق بانتظار مساعدة حقيقية ليحقق أحلامه..
نحن نعيش في عالم مليء بالأوجاع والأخطاء والتعب لكن هذا لا يعني ان نموت فكل شيء يمكن ان يولد من جديد ، وانساننا العراقي مازال يتمتع بشجاعة الحياة فهو يفعل ما يجب عليه رغم الإخطار والعقبات والضغوط لكنه بحاجة الى يد تساعده وتبنيه من الداخل فبناء الأوطان لا يكتمل الا ببناء المواطن ولا يكتمل بناء المواطن الا بتوفير الحياة الكريمة له ..عندها فقط ، لن يكون البلد عاجزا اذ سيكون ابناؤه قادرين على تحويل الاحلام الى حقائق ..
هذا ما ننتظره من الحكومة الجديدة ..ان تمد يد المساعدة لشعبها وان تنتفض على حالة العوق التي أصابت البلد بديمقراطية وشراكة حقيقية يكون فيها الشعب آمنا ومستقرا وحرا بأقواله وأفعاله فمن حق العراق ان يذهل الآخرين من جديد بقوته وعطائه حتى لو غدا فجأة منهارا وكسيحا ..بفعل فاعل !

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

باليت المدى: جوهرة بلفدير

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram