حين صرح السيد الشهرستاني تصريحه الشهير بتصدير الكهرباء عام 2012 لدول الجوار كنت قد نويت بيع مولدة الكهرباء الكبيرة الخاصة بالبيت (27 KV) ذلك لأني كنت أخشى الخسارة إن لم أبعها، إذ من يشتري مولدة غالية في بلاد تصدر الكهرباء، حتى قلت معللا نفسي، ما الضير من وجودها ؟ لأبقيها عند مدخل المنزل أثراً، شاهدا على مرحلة قاسية من تاريخي الشخصي كعراقي عانى ما عانى من ويلات حكام البلاد، أو فهي في أبعد أحوالها شيء فلكلوري (انتيكة)مما يرثه الابناء عن آبائهم، هي مثل بندقية جدي المارتين، أم عبيّة البريطانية، أو منجل أبي ومسحاته المهيجرانية وفرونده بحبله الكنبار الغليظ، هي عكفة عمّي الكبير وفالة شقيقه الاصغر أو إناء جدتي لأمي، الخزف الصيني بصورة الملك فيصل الثاني . وهكذا رحت أبرر لنفسي الخسارة المرتقبة.
اليوم، درجة حرارة البصرة تجاوزت الخمسين مئوي، ونسبة الرطوبة ابتلعت اوكسجين الارض من حولنا، والشمس تلقي بحممها على المدينة ومن فيها. أما رائحة ملح وزفر البحر فقد ملأت المنازل والاسواق، وصرخات زوجتي على الداخل والخارج من الاطفال: أن اغلقوا الابواب، تملأ البيت. هي تخشى تبديد ما في البيت من برودة . وما الذهاب للتسوق من السوق القريب إلا واحدة من مشقات الدهر، لكني وكلما انقطعت الكهرباء الوطنية هرعت إلى العظيمة، صاحبة الشأن الارفع والمنزلة الكبرى مولدتي البيركنز الصفراء التي تسرُّ الناظرين اليها، أم الـ 27 KV غير منفك من صب اللعنات والشتائم على الحكومة البايخة التي لم تستطع تامين الكهرباء بعد ان انفقت عليها من المليارات ما يكفي لسد حاجة 7 دول نامية بحسب تقارير رسمية.
من لم يسكن البصرة من قبل أو يمر بها مقيما او زائرا لا يعي معنى شهر آب، ولا يمكن له ان يتصور الشرجيات وعصارات التمر فيه. الآن أذهب لتصور حال النازحين من سهل نينوى والمناطق الأخرى للمدينة الجنوبية، وقد قاربوا الألف أسرة ،أسأل ما إذا تمكنت الحكومة من تأمين الهواء البارد لهم، وكم يكفي لهم من الثلج لكي يشعروا بأنهم خارج بيوتهم وقراهم التي غادروها. ان تعدك حكومتك كل شتاء بكهرباء غير منقطعة قضية ممكنة، مثلما تعدك أقوال المنبئين الجويين كل صيف بدرجات حراة معتدلة وطقس ربيعي بارد هكذا بحسب علاقاتهم مع السماء وأنواء الله. لكنها (الحكومة) ظلت تعد مواطنيها ومنذ اكثر من عشرة اعوام بحصص تموينية محكمة وفيرة. هل تفي ؟
قد تتمكن حكومة السيد العبادي القادمة من تأمين الكهرباء للبلاد خلال السنوات الاربع، من يدري نقول قد .وقد تتمكن ايضاً من إبرام اتفاقية مع السماء لتحسين الجو وتلطيف الهواء في الصيف المحرق وقد تقوم بتأمين الحصة من الطعام والدواء لكنها لن تنجح في محاسبة السراق واللصوص واحزمة الفساد الكبيرة التي طوقت خصور الدولة من كل جانب، ذلك لأنها ستطيح برؤوس كبيرة، من داخل حزب الدعوة ومن خارجه، وقد لا تكفي معها سجون المنطقة الخضراء . هذا إذا احسنا الظن بالقضاء العراقي الذي تكال له التهم بالتبعية والميل لصالح حكومة المالكي المنحلة. أتراني بائع مولدتي الشتاء القادم؟ أنا أشك، لأني تعودت على أن لا أثق بأحد . الشهرستاني انموذجاً.
آب في البصرة: أنا لا أبيع مولدتي
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 4
محمد توفيق
نظراً لمظلومية البصرة، المحافظة المبتلاةالتي تصنع من ملياراتها النفطية طغاة بغداد، القدامى والجدد اقترح أن تقوم هذه المحافظة بعدم صرف أي فلس من مداخيلها النفطية لحرامية بغداد لشهر آب فقط من كل سنة تذكيراً لهم بما يعانيه أهل البصرة من الحر.
سعيد فرحان
واناكذلك اشك .لماذا؟سأجيب . للاسباب التالية :اولاً لان الله تخلى عنا وتركنا لمصير لم يقدره هو اي اننا والمجهول.ثانيا بالعربي الفصيح انك لا تجني من الشوك الرطب وانت خير من يعرف ذلك فأنت ابن مدينة كانت ام الرطب قبل ان يغزوهاشوك وعاكول وكل من هب ودب .ثالثاً
ابو باسل
تذكرني الوعود بمقالة للمنفلوطي كانت ضمن كتاب القراءة للصف السادس تبدأ بعبارة / كذب اللسان من كذب القلب/ اليس كذلك؟
سعد الصباغ
يا أخي ان مدن الجنوب جميعها قد عانت من حر آب اللهاب هذه السنة ، و عزاؤنا الوحيد أن مسؤوليي هذا البلد بمختلف طبقاتهم ينعمون بكهرباء الطوارئلمدة 24 ساعة ، هذا هو حال الاحزاب الدينية التي تحكم البلد تؤمن بالاستحواذ على كل شئ و للشعب لا شئ، أنها العدالة التي