TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > من الثور الهائج الى شارع المال

من الثور الهائج الى شارع المال

نشر في: 20 أغسطس, 2014: 09:01 م

جمهور السينما كما نقادها ينتظرون في كل مرة بلهفة، جديد مخرج من قامة الأميركي الكبير مارتن سكورسيزي، فعلى مدى اكثر من أربعة عقود من الزمن قدم هذا المخرج الاستثنائي ما يمكن اعتباره علامات شاخصة في تاريخ السينما، ودارس سيرة سكورسيزي الإبداعية لا يمكن له إلا ان يشير إلى تميز سينماه وغناها الفكري، فضلا عن ثراها الجمالي الذي لا يمكن أن تخطئه عين.
فالمخرج الذي راهن على الاختلاف في الموضوع وأسلوب المعالجة في كل ما انجزه خلال مسيرته، قدم أفكارا مبتكرة وموضوعات أخضعها لأسلوبه المتفرد الذي جعل منه احد اهم مخرجي السينما الأمريكية الآن.
من بين الكثير من الأفلام التي قدمها سكورسيزي، افلام من نوع افلام السيرة أخضعها لاسلوبه في العمل ومن هذه الافلام (الثور الهائج)، الذي يتناول سيرة بطل الوزن المتوسط في الملاكمة الاميركي من اصل إيطالي جاك لاموتا، سكورسيزي يبدأ بسيرة لاموتا من خلال تفاصيل حياته ابتداءً من صعود نجمه في الأربعينيات، حتى نهايته المأساوية بالتفاصيل التي نتوقع ، حتى مع استعراض سيرته الرياضية كنجم وبطل رياضي، فهو يركز على سلوكه وأوضاعه النفسية والعقد التي يعانيها، والتي أوصلته الى السجن.
الفيلم الثاني هو فيلم الطيار الذي يتناول حياة الصناعي والمنتج والمخرج السينمائي المليونير هوارد هيوز وتفاصيل حياته الهوليوودية وهواية تعلم الطيران.. حيث يبدأ سرد سيرته وهو بعمر خمس سنوات لينتقل إلى مفاصل مهمة في حياته.
في فيلمه الأخير «ذئب وول ستريت» المرشح لأكثر من جائزة اوسكار هذا الموسم يعود إلى مجاله الذي يحب، إلى حيث عالم المال وجنونه وأسراره ، والذي قدم جوانب منه في أفلام مثل (كازينو)، و(أولاد طيبون).. حيث برع في رسم ملامح هذا العالم المليء بالتواطؤات والخيانات وأيضا القسوة واللاآدمية، كما انه تجربة جديدة في أفلام السيرة لهذا المخرج الكبير بعد أن قدمها في غير فيلم له لعلّ الأهم منها فيلم (الثور الهائج) الذي يتناول السيرة الذاتية للملاكم جاك لاموتا ، والفيلم الآخر هو (الطيار) وهو السيرة الذاتية للمليونير الأمريكي هوارد هيوز. أحد رواد الطيران الذي يرث شركة أبيه المتخصصة في إنتاج معدات خاصة بالصناعة البترولية.. حيث يسلط الفيلم سيرته منذ شبابه الأول.
في فيلمه هذا يستعين بممثله المفضل ألان ليوناردو ديكابريو الذي أداره ليجسد شخصية هيوز في (الطيار) ، لكنه هنا يجسد شخصية جوردان بيلفورت الذي اعتمد الفيلم مذكراته الشخصية التي يدون فيها الطريقة التي سلكها في جمع ثروة طائلة عن طريق آل "بويلر روم" . وهي المكاتب غير المجازة التي يقوم فيها الوسطاء بالاتصال بالعملاء بهدف إقناعهم بالاستثمار في أسهم رخيصة الثمن.
الفيلم يحكي قصة الصعود الملفت لجوردان بيلفورت ثم سقوطه المدوي مستعرضا جوانب هذا العالم المجنون، عالم الرأسمالية خلال العقود الثلاث الأخيرة .. نتعرف على علاقة بيلفورت بالمباحث الفيدرالية، والسعي إلى تجنيده.. والفيلم ملخص للمذكرات ولكن على طريقة سكورسيزي في سحب الموضوع لرؤاه وأسلوبه الخاص، بداية تقليدية للأحداث حيث بداية الصعود لذئب المال هذا وتحوله إلى الصفوة من رجالات المال، ثم نهايته وتقديمه للمحاكمة نهاية تسعينات القرن المنصرم بالعديد من التهم ليس أقلها غسل الأموال والاتجار بالمخدرات ثم سجنه لثلاثة أعوام.
التفاف عبقري على تقليدية سرد المذكرات هو ما قام به سكورسيزي في فيلمه هذا.. فعلى مدى زمن الفيلم ينسج لنا حياة هذا الذئب الذي يتجلى لنا من الأناقة والوسامة التي يتمتع بها شرسا لا يتوانى عن ممارسة الخداع وخيانة حتى العاملين معه، بفضل الأداء المبهر لكابريو الذي صار يضيف عبقرية مضافة في كل جديد له.. كابريو هنا بإدارة داهية مثل سكورسيزي يبرع لا في تجسيد شخصية بيلفورت كما رسمتها مذكراتها، بل استعراض عفونة عالم أراد له صانعوه أن يزدهر بالاحتيال والخديعة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

"دبلوماسية المناخ" ومسؤوليات العراق الدولية

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram