ليس من قبيل التحامل على مشيخة الغاز وفضائية الجزيرة، ولا هي محاولة للصق التهم بدون أدلة، وليست سعياً لبذر الفتنة، بقدر ما هي محاولة لقراءة الحدث بحياد، واستنباط النتائج بعيداً عن الأحكام المُسبقة والتهم المُعلّبة، والقصة باختصار أن قناة فوكس نيوز الأميركية، المعروفة بعلاقتها الوثيقة مع الاستخبارات، أذاعت خبراً مُستعجلاً أكدت فيه مقتل القائد العام لكتائب القسام محمد الضيف، في القصف الذي استهدف منزل عائلة الدلو عصر الثلاثاء، وهو ما نفته فوراً كتائب القسام، واعترفت بمقتل زوجته وابنه الرضيع، ولم يكن خبر القناة الأميركية، مجرد افتراض أو قصة خيالية، بقدر ما هو مستند إلى حيثيات مدهشة تكشفت لاحقاً.
قصف المنزل المستهدف، جاء بعد قليل من مغادرة القائد الحمساوي، بناءً على نصيحة من جهاز أمنه الشخصي، عقب تلقيه مكالمة هاتفية من رئيس المكتب السياسي لحماس خالد مشعل، المقيم في الدوحة، والذي أجرى المكالمة الهاتفية مع قائد القسام تحت ضغط قطري، وبهدف معلن يتمثل بإقناع عسكر حماس، بتبني موقف الدوحة في المفاوضات القائمة في القاهرة، وما قد ينجم عنها من تفاهمات مبدئية، وقد تمت المحادثة رغم المحاذير الأمنية، واعتراض الحرس الخاص لقائد القسام، الذي تغاضى رغم حرصه الشديد عن المخاطر، فتلقى الاتصال من مشعل، الذي وضعه بصورة ما تتعرض له الحركة من ضغوطات، للتنازل عن بعض شروطها، والتقدم بشروط أخرى، ويقال إن الضيف رفض التنازل عن شروط الجناح العسكري بعد كل ما سال من دماء.
يقول الفلسطينيون، إنه لم يكن مُمكناً لإسرائيل، رغم تفوقها التكنولوجي، تعقب المكالمة من غزة، حيث تستخدم المقاومة شبكة اتصالات داخلية مُشفّرة، عجزت إسرائيل عن فكها وتتبعها، وفي الحال برزت فرضية أن تتبّع المكالمة جاء من مصدرها في قطر، وليس هذه اتهاماً مباشراً للحكومة القطرية، إذ هناك احتمال أن يكون المُسرب موظفاً أميركياً أو بريطانياً يعمل في الاتصالات القطرية، وربما جاء من قاعدة العيديد العسكرية الأميركية المتمركزة غرب الدوحة، خصوصاً وأن الدوحة منحتها امتياز الدخول إلى قاعدة بيانات الاتصالات، في سياق محاربة الإرهاب، ما مكّن الاستخبارات الأميركية من تعقب المكالمة، ورصد المكان الذي تلقى منه الضيف اتصال مشعل.
ثمة من يقول إنه ربما كانت قطر، وفي سياق منافستها للقاهرة في التوصل إلى تثبيت التهدئة، المُحفز لانهيار وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس، وذلك بعد تسرب أنباء عن تهديدها لمشعل بالترحيل، إذا وافقت حماس على الاتفاق المقترح من الجانب المصري، وأخرى عن رغبة أبدتها الدوحة ونقلتها حماس للقاهرة، بأن يكون لقطر دور في إنهاء الأزمة، من خلال مشاركة وزير خارجيتها أو مدير الاستخبارات في عملية التفاوض، غير أن الطلب جوبه بالرفض، بسبب المواقف القطرية المؤيدة والداعمة لحكم الإخوان المنهار.
ثمة مجموعة من الأمثال الشعبية، يقول بعضها "اللي ببطنه عظام بتكركع" و"اللي عراسه بطيخه بحسس عليها" و"المقروص بخاف من جرّة الحبل"، وهي أمثال تفسر سرعة الرد على احتمال أن تكون الدوحة مصدر كشف المكالمة القاتلة بين مشعل والضيف، بدا ذلك واضحاً في سرعة الرد الذي جاء على شكل اتهامات متهافتة للمخابرات المصرية، بتسريب معلومات لنظيرتها الإسرائيلية، عن مكان وزمان تواجد القادة العسكريين الحماسيين الثلاثة الذين اغتالتهم إسرائيل، وفي حال انطباق هذه الأمثال على الموقف القطري، فإن معنى ذلك دق المسمار الأخير في نعش النظام القطري، الذي يواجه بالإضافة للكثير من المشاكل، موقفاً خليجياً يرفض كل ما تتبناه الدوحة من سياسات.