في السنوات الماضية عاش العراقيون في ظل حكومتين، الأولى أدت اليمين أمام البرلمان وجلس اعضاؤها في مكاتبهم الفاخرة ، والثانية تشكلت خلف الكواليس يحلو للبعض أن يطلق عليها حكومة المقربين من رئيس مجلس الوزراء ، وهي مجموعة من الوجوه حلفت اليمين مع نفسها للدفاع عن كل ما يقوله أو يقوم به مكتب رئيس الوزراء.
وانتشرت حكومة المقربين هذه مثل السرطان في جسد الدولة العراقية ، فلم يكن المواطن يحتاج الى مجهود كبير حتى يجد أعضاءها في البرلمان والإعلام ومؤسسات الدولة . وقد طفحت شاشات الفضائيات طوال السنوات الماضية بعدد لا بأس به من نموذج "المقرب" الذين يظهرون كلمنا احتدم الصراع على المناصب والمكاسب، لتجدهم يقفون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه بالاقتراب من قلعة الحكومة الحصينة، أو انتقاد أدائها حيث يجلس "مقرب" من هؤلاء بكامل أناقته، ناظرا إلى ساعته اليدوية للاطمئنان على الوقت، ثم يبدأ الحديث مستفتحا بعبارات من عينة "أنا اعتقد أن عقدة الوزارات الأمنية تقع على عاتق البرلمان"، فيما آخر يخرج الكلمات بالقطارة وهو يقول "الحقيقة أن حكومة الأغلبية هي الأصلح لقيادة البلاد".
المتابع للشأن العراقي في السنوات الماضية ، لن يجد صعوبة في العثورعلى جيش من "المقربين" يحكم شؤون البلاد ولايزال يطمح باستمرار هذا الدور وهو دور إشعال الحرائق في أروقة السياسة العراقية، ومن يشكك بذلك أحيله إلى تصريحات جديدة و" طازجة " لعدد من هؤلاء الذين يصرون على احتكار دور الناطق باسم الحكومة والقوات الأمنية ، ففي تصريح مثير للاستغراب خرجت علينا احدى المقربات وهي نائبة في البرلمان تقول :" إن رئيس الوزراء المنتهية ولايته نوري المالكي لن يتنازل عن منصب القائد العام للقوات المسلحة رغم عدم إعلانه الأمر لغاية الآن." وأضافت النائبة ابتسام عبد الحسين أن " الائتلاف الوطني يرغب بحصول المالكي على منصب القائد العام للقوات المسلحة في الحكومة الجديدة نظرا للخبرة الكبيرة التي يمتلكها في هذا المجال والتي تمتد لثماني سنوات ومعرفته بكل الملفات الأمنية المحلية والدولية، الأمر الذي يسهم بوضع امني افضل " . طبعا اترك لكم التعليق على جملة "وضع امني افضل" وأتمنى عليكم ان تنسوا ما جرى في الموصل وتكريت وديالى والأنبار وعمليات القتل اليومية ، فهذه مجرد هفوات " بسيطة " يمكن ان تحدث في كل مكان وزمان ، ولم تنه النائبة حديثها حتى خرج علينا امس ومن على شاشات الفضائيات النائب هيثم الجبوري ليعلنها صريحة وواضحة من" إن التحالف الوطني قادر على تشكيل الحكومة دون الرجوع إلى الكتل الأخرى ." فيما لاتزال النائبة المقربة جدا عالية نصيف تغرد خارج السرب كعادتها.
إذن ياسادة نحن أمام نخبة من "المقربين" مصرين على التسلل كل يوم إلى الفضائيات والصحف ، ليؤكدوا لنا أنهم قادة العراق، وعلى الناس أن تفديهم بالدماء وتخرج في تظاهرات للترحيب بكل ما يثيرونه من غبار وزوابع تعمي الأبصار والبصائر.
يدفع العراقيون اليوم ثمن غياب مستشارين يشيعون مفاهيم القانون والحريات وضمان العيش الكريم للمواطن، احد عشر عاما وقبلها عقود من أجل لا شيء، سنوات من الأسى والخراب، وعقود تعمّد بدم الأبرياء، تتقدم الشعوب ونحن محاصرون بحاشية من الانتهازيين أغرقتنا بأطنان من الشعارات والخطب، وأضاعت أعمارنا في الجهل والتخلف، شعوب لا تقبل أن تختار مسؤوليها إلا بعد أن تدقق في سيرهم الذاتية، فيما نحن نعتبر ذلك ترفا، فمطلوب من الناس أن تضحي من أجل المسؤول الذي تحبه أكثر من وطنها، شعوب نزعت النياشين من صدور حكامها وعلقتها في المتاحف، فيما حاشية بلادنا مصرّة على أن تزرع الأوسمة في كل مكان وأن تظل الناس تهتف:" كل العمر وياك ياقائد المسيرة ".
السيد رئيس الوزراء المكلف حيدر العبادي : أتمنى عليك ان تغلق باب المقربين الذي ظل مفتوحا خلال السنوات الماضية ، وتذكَّر مقولة ابن مدينتك البار علي الوردي : "الحاكم العادل يدرك بعدله لا بحدسه فقط ، إن خراب الحكم يبدأ لحظة توسيع دائرة عبيد النفاق" .
هل يفعلها حيدر العبادي ؟
[post-views]
نشر في: 22 أغسطس, 2014: 09:01 م