لكل الأديان جانبها الأصولي المتشدد ، فكما تخبرنا الباحثة في تاريخ الأديان والأصولية الدينية الكاتبة والبروفيسورة "كارين ارمسترونغ" بأن "لكلّ دين من الأديان السائدة في العالم أصوليّته الخاصة : فثمة أصولية بوذية ، و أصولية سيخية ، و أصولية هندوسية و حتى أصولية كونفوشيوسية لكن يجري التركيز غالبا على الأصوليات اليهودية و المسيحية و الإسلامية لأنها الأكثر شيوعاً و تأثيراً في عالمنا المعاصر"
ظهرت الأصولية الحديثة في أميركا كما تؤكد المصادر المختلفة ومنها كتب وبحوث ارمسترونغ إضافة إلى مايذكره ياكوبوتشي في كتابه " أعداء الحوار" في كشفه لنهوض الأصولية في أميركا مطلع القرن الماضي لمواجهة الحداثة والتسامح وحرية الضمير والفصل بين السياسة والدين.
تؤكد الحقائق المرئية على الأرض أن فكرة "الأمة " سواء الأمة القومية أو الأمة الدينية ساعدت على تنامي الأصولية لدى الأديان والقوميات التي تملك هاجس التوسع كالدولة الإسلامية عابرة حدود الأوطان والقائمة على فكرة أمة تمثل دينا واحدا والدولة اليهودية التي تعتمد الدين عنوانا لها ،وهي دول تتغاضى عن خصوصيات الشعوب والأقليات. تقف الدولة الديموقراطية الحديثة موقفا مغايرا في حمايتها للفرد ولكنها تنتهي بأن تضع حقوق الأقليات في المرتبة الثانية . ورغم جميع ادعاءات الدول ذات الديموقراطيات الجديدة بأنها تحمي الإنسان "المجرد من الانتماءات " إلا أنها واقعيا وعمليا تتملص من حماية الأقليات أمام قوى مسلحة متشددة وتبقى معنية بالدفاع عن مكاسبها ومعتقدات الغالبية الحاكمة. وهذه الدول التي ترى في الديموقراطية مجرد صناديق اقتراع كما حدث في العراق - ينشغل الإعلام الرسمي بنشر الرؤى الخاصة بالنخب الحاكمة والترويج لتدخلها في خصوصيات الجماعات المختلفة وتفاصيل حياة الأفراد بينما تُهـْمَل التنمية البشرية والإعمار وترسيخ حقوق الانسان التي تتطلبها قيم الحداثة فهي تتوسل الديموقراطية للوصول الى السلطة لكنها تمارس الاستبداد الاوليغاركي في التطبيق العملي ، ما يساعد على تنامي أصولية حاكمة ستؤدي الى استقطابات خطيرة وظهور أصوليات متشددة بالمقابل-.
تذكر البحوث المتعلقة بالأصولية الحديثة أن سنة 1925 كانت منطلقا للأصولية المعاصرة في أمريكا لمواجهة الحداثة و قيم التسامح وحرية الضمير ،عندما قدم الأصوليون مدرس علوم الحياة "جون سكوبس" في مدينة دايتون بولاية تينيسي الى المحاكمة في قضية سميت ( قضية القرد) لأنه عرض نظرية داروين في النشوء والارتقاء أمام تلاميذه ،ويمنع قانون الولاية الاعتراف بهذه النظرية وقد وصفت الصحف هذه القضية آنذاك بأنها ( قضية القرن ) وكعادة القضايا المثيرة استغل بعض الكتاب الموضوع وألفوا كتبا عديدة ومسرحيات وأُنتجت أفلام وأعمال تلفزيونية عن المحاكمة ,تصدى كبار المحامين للادعاء و آخرون للدفاع عن قيم الحداثة والعلم في البلد ألأكثر تطورا وانفتاحا على قيم الحداثة ، وحين أفرجت المحكمة عن المدرس وألزمته بدفع غرامة مائة دولار ،تراجع الأصوليون وفشلوا في منع تدريس نظرية داروين وصمتوا زمنا وبدا أنهم انسحبوا من المشهد العام الذي أعلن غضبة كبيرة على معاداة الأصولية للحداثة ، لكن الأصوليين لم يهزموا بل شرعوا بتنظيم صفوفهم و تهيئة وسائل ثقافتهم المضادة من كنائس و مدارس أنجيلية و امبراطوريات إعلام مكتوب و راديو و تلفزيون وتمكنوا من شن الهجوم المضاد نهاية سبعينات القرن الماضي بادعاء تلبيتهم لنداء السماء لإنقاذ أمريكا ، وعاودوا الظهور لينتكسوا مرة أخرى بسبب فضائح أخلاقية طالت رجال كنائسهم ، لكنهم نشطوا بشدة وشنوا الحروب باسم الرب وانتجوا الافلام المنذرة بنهاية العالم كفلم 2012 وساعدوا على نهوض الأصوليات الإسلامية التي تكرس الاستقطاب الديني.
يتبع
"محاكمة القرد" والأصولية المعاصرة
[post-views]
نشر في: 23 أغسطس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...