TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > التأسيس الثاني للنظام

التأسيس الثاني للنظام

نشر في: 25 أغسطس, 2014: 09:01 م

افتتاحية العدد السابق من المدى، نجحت في اثارة نقاش لم يحظ بعد بالاهتمام المطلوب في الصحافة، رغم انه يشغل كواليس السياسة. فالكتل النيابية قدمت اوراق تفاوضها للتحالف الوطني. والمعلومات تقول ان احزاب التحالف نفسها قدمت اوراق تفاوض مع رئيس الوزراء المكلف الدكتور حيدر العبادي. وهناك من يقول ان المطالب مستحيلة، وانها تعجيزية.
ولا اريد الحديث عن الخلافات حول الارض والمال كثيرا، رغم انها مهمة وجوهرية، وعمرها ١١ عاما في النظام الجديد، ولا بد ان يكون هناك نموذج حل متحضر لها، اسوة ببقية الامم التي ادارت صراعاتها بنحو غير مكلف. والا فاننا سنغطس في مزيد من العداء والتفكك ونخسر جميعا ولا شك.
لكن ما اتمنى ان يحظى بنقاش كاف وامام الرأي العام، هو صوغ الضمانات التي تكفينا شر تكرار ما حصل من ادارة خاطئة للصراع، وتعيد صوغ قواعد لعبة الالتزام.
الانهيار التدريجي الذي شهده بلدنا منذ لحظة خروج الاميركان، كان انهيارا في قواعد العمل. تلك القواعد التي ولدت التهدئة المطلوبة، وجعلتنا نعيش استقرارا اكثر من نسبي حتى ما بعد ٢٠١١، يوم كنا نرى المسافرين الايرانيين نحو الشام، يتناولون الطعام منتصف الليل، في مطاعم الرمادي وعلى الطريق الدولي، بسلام تام.
والانهيار شبه الشامل الذي شهدناه في الشهور الاخيرة، كان صورة للانهيار الرهيب في قاعدة العمل، فلاول مرة لاحظنا مؤشر الانحدار السياسي يقفز الى مستويات صعبة التصديق، في الاقتراع الماضي، حين طردنا من الترشح جمهرة من النواب البارزين والمثابرين (من طائفتنا الحاكمة نفسها) بتهمة"النيل من رئيس الحكومة"، وشهدنا كذلك قطع رواتب موظفي كردستان، وشهدنا تصرفات مؤسفة مع اهل الانبار.
ولذلك فان اللحظة الراهنة هي لحظة تأسيس ثانية للنظام السياسي الجديد في العراق، وليست مجرد تشكيل حكومة. بمعنى ان النظام السياسي التعددي القائم على شراكة واعدة مسؤولة، تعرض الى انهيار، وما نحتاجه اليوم هو اعادة بناء النظام بشكل رصين، وبنحو محصن يمنع خرابه.
واعادة بناء النظام يتطلب لا مجرد بنود اصلاح سياسي، وانما ضمانات لتطبيق الاصلاح والالتزام به، واحياء للاتفاقات القديمة التي ماتت، وتكييفها مع المستجدات الحالية.
وهذا التأسيس الجديد للنظام السياسي، يلعب دورا في اكثر من مجال، فهو يساعد على تقديمنا للامم المتحضرة، كشعب يتعامل مع كوارثه بنضج وحساسية ومسؤولية، ويبني ثقة بالعراق كبلد فاشل يجد الطريق للتصحيح.
وهذا التأسيس الجديد للنظام السياسي، يلعب دورا داخليا ايضا، عبر مساعدة المواطن نفسه على استعادة الايمان بالسياسة وجدواها، كمسار يمنحه الامل في اقسى لحظات اليأس. اذ لم تتمكن البنادق من رسم هذه اللوحات الدامية، الا حين كفر جزء من الجمهور بالدولة، وفقد ايمانه بجدوى السياسة والسياسيين، ورأى ان لا احد سيضمن حقوقه وامنه ومصيره سوى ان يرفع السلاح، وقد استثمرت التنظيمات المتشددة هذا المناخ المؤلم ونجحت في استغلاله بالنحو الامثل.
لقد ولد امل كبير وساد ارتياح واضح، في الداخل والخارج، حين جرى تكليف الدكتور العبادي بتشكيل الوزارة، كمؤشر على هبوب رياح الاصلاح والتغيير. لكن الاختبار الابرز بدأ في تلك اللحظة وحسب، فكيف نطور ونستثمر هذا الشعور بالامل، لنقدم حزمة حلول والتزامات بمستوى الكارثة التي تبخر نتيجة لها، معظم المضمون العملي لنظامنا السياسي المحاط بالمشاكل؟
الرأي العام والصحافة، مطالبان اليوم بايلاء هذا التأسيس الجديد للنظام السياسي، الاهتمام المطلوب، وضغوط التوقيتات والوضع العسكري التي قد تضعف مسار التفاوض في هذا الاطار، يجب ان تقابلها ضغوطنا نحن المحكومون، على اساس ان التعجيز ليس في المطالب التي يتسلمها حزب الدعوة او التحالف الوطني، وانما التعجيز هو ان تطلب مني دعم حكومتك قبل ان افهم ضمانات الصفقة التي نريد لها ان تخفف من سوء الكارثة الواقعة اصلا، كي لا انزلق ثانية في مستوى اعمق من الهاوية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. احمد

    الاستاذ المحترم كان خطاب السيد رئيس الوزراء العبادي منطقي يوم غد وتناول كل الاشكالات مع الاقليم والسنة وقال ان مطالبهم هي مطالبي انا وسوف اعمل على حلها اي ان النية والارادة الصادقة متوفرة...مع التقدير

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

 علي حسين لا احد في بلاد الرافدين يعرف لماذا تُصرف اموال طائلة على جيوش الكترونية هدفها الأول والأخير اشعال الحرائق .. ولا أحد بالتأكيد يعرف متى تنتهي حقبة اللاعبين على الحبال في فضاء...
علي حسين

باليت المدى: جوهرة بلفدير

 ستار كاووش رغمَ أن تذاكر الدخول الى متحف بلفدير قد نفدت لهذا اليوم، لكن مازال هناك صف طويل جداً وقف فيه الناس منتظرين شراء التذاكر، وبعد أن إستفسرتُ عن ذلك، عرفتُ بأن هؤلاء...
ستار كاووش

التعداد السكاني العام في العراق: تعزيز الوعي والتذكير بالمسؤولية الاجتماعية

عبد المجيد صلاح داود التعداد السكاني مسؤولية اجتماعية ينبغي إبداء الاهتمام به وتشجيع كافة المؤسسات الاجتماعية للإسهام في إنجاح هذا المشروع المهم, إذ لا تنمية من دون تعداد سكاني؛يُقبل العراق بعد ايام قليلة على...
عبد المجيد صلاح داود

العلاقات الدولية بين العراق والاتحاد الأوروبي مابين (2003-2025)

بيير جان لويزارد* ترجمة: عدوية الهلالي بعد ثمان سنوات من الحرب ضد جمهورية إيران الإسلامية (1980-1988)، وجد العراق نفسه مفلساً مالياً ومثقلاً بالديون لأجيال عديدة.وكان هناك آنذاك تقارب بين طموحات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي....
بيير جان لويزارد
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram