في عام 2004 شهدت حادثة أفرزتها أحداث الفوضى التي عمت البلاد آنذاك عندما عثر اهالي احدى قرى اطراف بغداد فجرا على جثة شاب من ابنائهم ملقاة على الرصيف ..كان الشاب يعمل سائقا في سيارته الحديثة وتعرض كما يبدو لعملية ( تسليب ) اودت بحياته ..مصادفة ، تم التعرف على الشابين الذين نفذا عملية التسليب والقتل وكانا من ابناء قرية مجاورة فتم احتجازهما من قبل اهل القتيل ثم استدعاء اهليهما وبعد ان اعترف الشابان بفعلتهما وسمعت اقوال الشهود صدر الحكم بقتلهما رميا بالرصاص دون ان يتدخل ابواهما فقد تم كل شيء وفق محاكمة أصولية وأمام الجميع ..وقتها خشينا من انتشار ظاهرة "المحاكم الاهلية" التي يمكنها تنفيذ حكم الاعدام بدوافع انتقامية وثأرية دون الرجوع الى القانون ، وبالفعل ازدهرت الظاهرة وزادها خطورة انتشار المحاكم الشرعية بدخول تنظيم القاعدة في تلك المناطق حتى صار وقتها كل بريء معرض لإقامة الحد عليه لأقل تصرف ربما يخالف ( شرائعهم ) ومحاكمته وقتله بدم بارد ..كان الانفلات الامني في تلك السنة والسنوات التي أعقبتها مبررا لظهور محاكم اهلية حلت محل الجهات الرسمية العاجزة عن السيطرة على الفوضى والانحراف ....وقتها اختفى القانون الذي نعرفه وحل محله قانون ( القطاع الخاص ) ...
مرت سنوات اخرى ازيحت بها غمة الطائفية الى حد ما وانتشرت قوات حكومية وصحوات وعناصر شرطة من جديد في الشوارع والاطراف والمدن فشاع الاطمئنان النسبي وعادت الروح الى المحاكم الحكومية وعادت السيادة للقانون ..صحيح ان المحاكم الاهلية اختفت لكن القانون العائد لم يكن بديلا كافيا ..لقد نخره الفساد هو الاخر وعندما يطال الفساد القانون الذي شبهه المفكر جان جاك روسو ب( رأس السمكة ) فلابد ان يتعفن جسم السمكة كله وهوما حصل في العراق خلال الفترة التي حملت اصلا شعار القانون واعتبره حاكم تلك الفترة التي امتدت على مدى ثمان سنوات كاملة سلاحه الفاعل لحماية البلد من الارهاب والفساد ..
من المؤسف ان يصبح القانون الذي يفترض انه ينادي بالعدالة ويحققها وسيلة للانتقام والثأر وتصفية الاحقاد لكن هذا ما حدث فعلا وبالنتيجة ثأرت جهة من تعمد اقصائها وتهميشها واذلالها وتصفيتها واستخدمت الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتحقق ذلك، بينما انتقمت الجهة الاخرى من عملية الثأر تلك واعتبرتها عملية فتح باب جديد للإرهاب وصارت مواجهة الارهاب هي الشغل الشاغل والهم القاتل للحكومة وكل من يؤمن بالوطنية او يدعيها دون الرجوع الى الاسباب التي قادت الى كل ما حدث ومعالجتها ..
يقول المهاتما غاندي ان "تطبيق مبدأ العين بالعين سيجعل العالم بأسره اعمى "وبلادنا للأسف فقدت البصر سريعا وباتت تتخبط في ظلام الانتقام وتشرب من ماء الثأر المالح فلا ترتوي من الظمأ للراحة الحقيقية والسلام الشامل، ومن جديد ، عادت المحاكم الاهلية هذه المرة بقوة وتوسعت مهامها وازدهرت فصارت تحاسب اديانا وطوائف ومذاهب ..تقطع رؤوسا وترجم بالحجارة وتبيع نساء ومحاكم اخرى تصدر احكاما بحق مصلين مسالمين في جامع وتبيدهم بينما يخفي القانون رأسه في الرمال خجلا من عجزه عن ( تثبيت اركان دولة القانون ) الذي صار شعارا سمجا وصار عليه ان يحزم حقائبه ويرحل من بلد الفوضى فقد انتهى عهد القانون الحكومي وبدأ عهد ( قانون القطاع الخاص )
محاكم... قطاع خاص
[post-views]
نشر في: 25 أغسطس, 2014: 09:01 م