TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الحكم .. على المظاهر

الحكم .. على المظاهر

نشر في: 29 أغسطس, 2014: 09:01 م

كان ملتحياً ،دلالة على انتسابه إلى حركة دينية معارضة للنظام السابق ... غادر العراق مطاردا منذ سنوات عديدة ثم عاد بعد سقوط النظام ، وكان ملتحياً أيضاً ، ولكن ذقنه كان مشذبا بعناية ووفق الموضة السائدة ،فقد عاد من أوروبا التي استقر فيها طوال أيام غيبته متابطاً ذراع زوجة أوروبية ...لم يعد الذقن مشكلة إذن بالنسبة له بينما كان يمثل مشكلة كبيرة لوالدي الذي كان يلاحق شقيقي رحمه الله خلال فترة الثمانينات مطالبا إياه بحلق ذقنه لكيلا يوضع في قائمة المعارضة الدينية رغم انه كان ابعد مايكون عنها وكم عشق ذقنه ورفض حلاقته لأنه كان فنانا تشكيليا وكان الذقن الطويل مكملا لهوايته وشخصيته ..
في السنوات الأخيرة ، عاد الذقن ليمثل مشكلة كبرى لأصحابه بعد انتشار الحركات الدينية المتطرفة هذه المرة وصار يمكن ان ينال صاحبه جرعات اكبر من التعذيب والإهانة في المعتقلات حتى لو كان بعيدا كل البعد عن التطرف الديني وكم اضطر أصحاب ديانة حقيقية سليمة إلى حلق أذقانهم التي يتشبهون بها بالسنة النبوية ليتجنبوا خطر المداهمات والاعتقالات ..نحن نحكم إذن على المظاهر كما عودتنا ثقافتنا العربية ولم نعمد يوما اللي تحليل سلوك مسؤول ما أو استنتاج ما يختبئ خلف كلماته بل اعتدنا ان نترك لعيوننا وظيفة التمعن في مظهر المسؤول ونحكم بعدها ان كانت ملامحه مقبولة لدينا ، ونترك لآذاننا وظيفة تحليل نبرات صوت المسؤول وان كانت تتهدج تأثرا لما يحدث لشعبه كما نترك لقلوبنا مهمة الشعور بحقيقة عواطف المسؤول حين يذرف الدموع أحيانا فنتعاطف معه على الفور مهما كان غارقا في وحل الكذب السياسي ..
حين اعتلى باراك أوباما مقعد الحكم في الولايات المتحدة ، تصور البعض انه سيغير سياسة أمريكا المتعالية وسيهبط إلى القاع لينتشل منه المظلومين والمحرومين والمهمشين لأنه ينتمي إلى شريحة عانت طويلا من التمييز العنصري والتهميش والظلم ..تصور البعض انه سيسارع إلى حل كل المشاكل العالقة لإنقاذ الشعوب المنكوبة ، لكننا حكمنا على المظهر أيضا ،فالرجل أميركي بمفاهيمه وبرنامجه السياسي الذي يشترط مصلحة أميركا قبل كل شيء ..وحتى لو حاول يوما ان يتدخل في الأزمات بطريقة سلمية وعقلانية فلأن أميركا لا تريد خوض أية حرب خاسرة بعد الآن وليس لأن أوباما رجل مسالم ومتسامح ..
بهذه الطريقة يجري الحكم حاليا على رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة ،فالبعض بات ينظر مليا إلى ملامح العبادي الهادئة ويكاد يجزم انه ( خوش رجل ) وآخرون اعتبروا دراسته الهندسة في بريطانيا نقطة إيجابية ،فهو حتما متحضر وأقل تعصبا من الآخرين..
يكفينا اهتماما بالمظاهر، فالذقن ليس تهمة كما ان الدمعة ليست شعورا صادقا ..نحن بحاجة إلى برامج سياسية ودستور حقيقي يجعل بلدنا هو الحقيقة الوحيدة التي تستحق التضحية من أجلها ، أما السياسيون فهم طارئون مهما طالت أيام حكمهم ولن يعنينا ان تكون ملامحهم بريئة أو أفعالهم نزيهة بل يهمنا ان نلمس نتائج سياستهم على ارض الواقع وان تصب في مصلحة العراق ..العراق فقط ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram