ان تسير بسيارتك الخاصة، في يوم قائض، حار رطب اكثر من 150 كلم، لكي تصطاد السمك أمر يدعو للغرابة. أليس كذلك؟ لكن جمهوراً غفيراً من البصريين، من مدمني صيد الأسماك على ضفاف شط العرب والأنهر الألف المتفرعة منه والممتدة من رأس الخليج حتى القرنة، يشدون الرحال فجر كل يوم عطلة صاعدين إلى منطقة بالقرب من حقل صبّة النفطي، عند نهر العز في مدينة الناصرية في رحلة طويلة تفهم في جانب منها على أنها الأقرب للهروب من جو المدينة الخانق، الملتهب، فضلا عن كونها واحدة من المتع التي يحرص عليها هؤلاء منذ امد بعيد.
ساحلان طويلان يمتدان من نهاية الهور في الناصرية حتى يدخلان قرية أبو صخير في البصرة يقف عليهما صيادون من مختلف الأعمار، أسر بصرية، شباب وصبية ورجال بأعمار مختلفة، كانوا سعداء بالصيد السريع الوفير، غير محتمين بشيء من الشمس، جاءوا بصناراتهم وخيوط صيدهم، بأمتعتهم ومياه شربهم مع الثلج والفاكهة والبسط الملونة ووو.. في مشهد رائع، لا أجمل منه. وبمثل هذه الصورة هنالك مشهد ثان هو مشهد النازلين من ضواحي المدينة إلى بحر الفاو، حيث الطقس الرطب، والشمس الرمحية المحرقة، التي يقلل من حرارتها موسم صيد الشانك والشعم والسمتي المملح من ربه، هذا المشهد لا يقل ألقا وغنى عن مشهد صيد البلطي والبني والحمري في نهر العز، البعيد عند حدود حقل صبة النفطي.
نسوق المقدمة(الطللية) هذه لنحلم أبعد من ذلك . ترى اما كان بإمكان حكومة البصرة ان تستل بعضا من مليارات الدنانير التي تحت يدها، والتي يقول بعض أعضائها:" بأننا لا نعرف كيف ننفقها" وتتكفل مشروعا ترفيهيا استثماريا في واحد من الموقعين، والأمر في غاية البساطة، مجموعة من الأكشاك والمطاعم والكازينوهات مع محال تبيع مستلزمات الصيد مثل الشباك والخيوط والصنارات والملابس والقبعات وشيء من هذا، هكذا مثلما تفعل بعض البلدان تجتذب السياح والمصطافين المحليين في أقل تقدير، ثم الا تخجل الحكومة المحلية من مواطنيها الذي لم ير غالبيتهم البحر، ومعلوم ان اكثر من 90% من سكان البصرة لم يروا بحر مدينتهم، على الرغم من وجود ساحل طويل يقدر بـ 75 كلم .
معلوم، بأن البصرة مدينة مائية بامتياز، فهي تملك ساحلا طويلاً على شط العرب لا يقل عن 200 كلم، يمتد من شمال مدينة القرنة حتى رأس البيشة عند الخليج العربي، لكن مشروعا سياحيا واحداً لم ينفذ عليه، وعند حديثنا بشان ذلك مع دوائر السياحة والآثار في المجلس او الخدمات وجهات متنفذة أخرى نكون كمن يؤذن في مالطا، وحين تحدثنا مع رئيس لجنة السياحة والآثار في المجلس السابق عن إمكانية تفعيل قضية السياحة والترفيه والمتع البريئة للأسر البصرية في المدينة التي يختنق سكانها بفعل التلوث وتراكم النفايات والجو المزعج، كانت قضية السياحة الدينية والبحث عن المراقد المندثرة، غير الموثقة، لا في كتب التواريخ ولا لدى الفقهاء، إنما في أفواه وتخيلات العامة حسب، هي التي تنصب عبقرية اللجنة باتجاهها. ولأكثر من مرة قلنا لهم بان البصرة ليست مدينة مقدسة، هي ليست كربلاء او النجف او الكاظمية او سامراء. هي البصرة حسب، لمن يفهم ويعي.
نكتب هذه ونتذكر صيادي السمك من السائحين الواقفين حوالي البحيرات في سويسرا، في المشهد المعروف هناك، نتذكر صيادي السمك بشصوصهم الطويلة الواقفين على الجسر، بإسطنبول ومدن العالم الأخرى. لكن صورة البصريين الجالسين على خرائب جسر التنومة القديم (جسر الدوب الحديدي) مع صورهم التي تتكرر اليوم على الجسر الكونكريتي الجديد، اكثر قسوة، لأنهم يجلسون على الخرسانة الملتهبة بفعل الشمس، قبالة تمثال شاعر المدينة الذي راح يكرر للحكومة الصامتة: الشمس اجمل في بلادي ... لكننا نصيح معه وسنظل نصيح : يا خليج، يا واهب اللؤلؤ والمحار والردى ... فيرجع الصدى -لأن الحكومة نائمة-: المحار والردى
اللؤلؤ والمحار والردى
[post-views]
نشر في: 2 سبتمبر, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 2
ابو اثير
سيدي البصراوي الكريم...في بداية السبعينات من القرن الماضي كان في البصرة عدة منتجعات سياحية أذكر منها على سبيل المثال جزيرة السندباد الواقعة في منتصف شط العرب وكان فيها بحدود عشرون دارا مؤثثة وكازينو شتوي وصيفي أضافة الى فندق شط العرب التراثي وكانت هناك كا
محمد توفيق
هل يمكن الطلب من قيادات محافظة البصرة أن يزيلوا أكداس القمامة من شوارع المدينة؟ وأن ينصبوا اعمدة لأنارة شوارع المدينة المتآكلة ليلاً، وأن يبلطوا شوارع أحياء القبلة التي خرج منها محافظ البصرة، وأن يجدوا حلاً لظاهرة انتشارالبسطيات من الأسواق والأرصفة. وأن ي