تتواصل اللقاءات الثنائية بين وفد التحالف الوطني المفاوض والوفود الأخرى لبلورة ما يمكن من عناصر البرنامج الحكومي، وتضييق التباينات في ما يتعلق بالمواقع الوزارية بالنسبة لبعض المتفاوضين. ويظل الخلاف المحوري يدور حول أولوية البرنامج أو التشكيل الوزاري،
تتواصل اللقاءات الثنائية بين وفد التحالف الوطني المفاوض والوفود الأخرى لبلورة ما يمكن من عناصر البرنامج الحكومي، وتضييق التباينات في ما يتعلق بالمواقع الوزارية بالنسبة لبعض المتفاوضين. ويظل الخلاف المحوري يدور حول أولوية البرنامج أو التشكيل الوزاري، حيث يرى التحالف الوطني ان التعجيل باعلان التشكيلة الوزارية يحتل مركز الأولوية، وكل ما عدا ذلك يأتي في المقام الثاني وتسويته قابلة في ما بعد.
ومع ان الإسراع في تشكيل الحكومة يكتسب أهمية استثنائية في الظروف الراهنة الاستثنائية أيضاً، أمنياً وعسكرياً، وعلى الصعد الاخرى الحيوية، فان أكثر من قولٍ مأثورٍ افترض أن "العجلة" دائماً لا تقود الى سكة السلامة، فـ"العجلة من فعل الشيطان"، و"عجلة الأحمق ليست سرعة"، و"في التأني السلامة"، حكمٌ لطالما استشهد بها العرب والمسلمون حتى في أحرج الظروف والحالات الصعبة!
وبمعنىً ما، فان العجلة ترتبط وتتزامن مع هزيمة عسكرية تختل فيها الموازين، يراد بها تقليل الخسائر او الهروب من مصيرٍ محتومٍ لا يتحمل الاستبصار. كذلك الامر مع فشل سياسي، يدفع "العقلاء" من الطرف المهزوم الى اعلان الاستسلام لتقليل الخسائر التي قد يتكبدها في حالة المماطلة والتسويف والالتفاف على الفشل بالتحايل وقلب الحقائق، واظهارها بمظهر النجاح و"الانتصار"، كما يأتي سردها كل اربعاء، ويعيد ترديدها المريدون فيما تتوفر لهم من وسائل وأدوات. ولأن الوضع الراهن بكل جوانبه، يتميز بالخصوصية التي تعكسها حالة الانكسار والتردي، وتتربص بها تحديات لا ينبغي الاستهانة بها أو التقليل من تداعياتها، فان اللازم الملح الاقدام بتبصرٍ وروية وانفتاحٍ على الآخر الشريك، والعمل على التمكين من تعبئة القوى على اختلافها، بما يتناسب مع المخاطر المحدقة والتصدي لها بكفاءة واقتدار.
وتوضيح معالم الطريق أمام الحكومة المقبلة، دون تقليلٍ من شأن التفصيل، هو السبيل الى وضعها على سكة السلامة، وتبصيرها بما يمكن ان يحيق بها أو يعترضها من مطباتٍ وعثرات، أو يدفعها الى اعادة تدوير أزماتٍ وإحياء إشكالياتٍ كانت السبب في القاع الذي انحدرت اليه العملية السياسية، وكاد قرارها يغوص في وحل الخلافات واستعصائها، ويغطي على مدى الرؤية، ويحول دون ايجاد مخارج لها.
إن نشوة إقصاء الولاية الثالثة، وإجهاض محاولة شل ارادة التغيير، تكتسب أهميتها من القدرة على تجاوز كل ما ارتبط بالحكومة السابقة من كبائر وممارسات وخروقات للدستور، أدت الى شرذمة العملية السياسية واطفاء ما فيها، على قلتها، من وهجٍ يستثير الامل. كما تتمثل الاهمية في سد الطريق على اعادة انتاج ظاهرة "الصقور" الذين أحاطوا بصاحب الولاية وزينوا له ما يفعل، ولم يقصر البعض منهم في زيادة الطين بلة، وهو يثير زوابع تنفث حرائق في كل اتجاه. ومثل هؤلاء لن يتخلوا عن دور الصقور في تبديد جهد قوى التغيير وإفشال المساعي الطامحة لنقل البلاد الى مصافٍ آخر لا شيء يجمعه مع الماضي المثقل بالخرائب.
ومن بين الإرث السلبي للمرحلة السابقة التي لم تنته بعد، قلب الحقائق والمفاهيم، فالإملاءات اداة من بيده القرار، وليس من يطالب باستحقاقه الوطني. واللاءات هي الاخرى سلوك من بيده الحل والربط، ويرفض فك عقدة الاتصال بينهما لمن له حقٌ مهضوم. لكن الاملاء والتزام اللا، يظل يتردد كما لو أن المطالبين بتصحيح الاوضاع المخلة، هم من يرفعون سباباتهم بها، والطرف السلطوي لا يمكنه القبول بها!
لا التشديد في اشتراطاتٍ غير دستورية، أو لها سياقات دستورية لا بد لها ان تُستكمل، ولا الاملاءات واللاءات السلطوية، مسلك يقود الى اخراج البلاد من ازمتها وانتشالها من وحل الماضي ومخاطر الحاضر المحيقة بها. الانفتاح على الآخر، واعادة ضخ الثقة في بيئة العلاقات بين بعضها والبعض الآخر، وابداء التفهم واعتماد التداول والحوار، وصولاً لبرنامج عملٍ يهتدي به الجميع هي الملامح التي يراد لها أن تُستكمل، لتصبح مرشداً ومعلماً لا يتيه فيها اي طرفٍ، باعتبارها خارطة طريق للجميع دون غالب او مغلوب.
دون برنامج يستهدف عملياً وبصياغاتٍ محكمة، معالجة جذور الأزمات، وتصفية الأسباب الرئيسية للخلاف بين المكونات المتشاركة في العملية السياسية، تصبح الحكومة الجديدة عبئاً على تكوينها، لانها بذلك تعلن فشلها مسبقاً، ولن تختلف من حيث المصير (نتمنى ان لا تكون كذلك)، مثل الاندفاعات الاولى للحشد الشعبي الذي قفز الى المعركة بلا تدريب، والأخطر بلا سلاح..! فانتهى الى كمين معسكر سبايكر المؤلم..