TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > البرلمان وسبايكر

البرلمان وسبايكر

نشر في: 3 سبتمبر, 2014: 09:01 م

لست ممن يتحدثون عن برلمان ميت، فقد بقيت طوال الدورة الماضية اتحدث بأمل كبير عن محاولة مجلس النواب اثبات قوته التشريعية والرقابية. وفي اطار محاولاته تلك ولدت نواة تصحيح مهمة عابرة للطوائف، نقطف اليوم بعض ثمارها وسط كل الألم. وكلما كان رئيس الحكومة السابق يتحدث بغضب عن البرلمان، كلما كنا ننتبه الى ان هناك شيئا صحيحا يحصل داخل السلطة التشريعية، ببطء وتلكؤ وكومة اخطاء، ولكنه يحصل.
اما هذه المرة فان لدى مجلس النواب فرصة "ولادة جديدة"، داخل لحظة سبايكر، المجزرة المؤلمة لا بدمويتها وبشاعتها ونوعها وحسب، بل لأنها تحرج الجميع، داعش والحكومة، الطوائف والناس. ان قضية سبايكر ليست مجرد مجزرة، بل حكاية يمكن ان تتكشف من خلال تفاصيلها كل الوان الفشل التي منينا بها كأمة وكنخبة سياسية طوال اعوام.
الناس يطلبون الآن معرفة ما حصل في سبايكر، لا مجرد تجريم داعش وكل من ساند داعش في الجريمة. وهذه نقطة شجاعة استوعبها الناس قبل الساسة: نريد ان نعرف كيف تدير الحكومة ملف الدماء والاهمال في حفظ الدم، كما نريد بالضبط ان نعرف مجرمي داعش ومسانديهم.
الرأي العام يقول اليوم كلاما فيه كثير من البدايات الصحيحة للعهد الجديد: نحمل مسؤولية كبيرة لوزير الدفاع وللقائد العام. وهو يتحدث عن قائد رفض ان يمثل وجها لوجه أمام ذوي الضحايا، وحصل على "تعهدات سياسية" بأنه لن يتعرض لحساب ولوم.
ان هذه النقطة لن تتوضح بما يكفي، الى ان ننجح في معرفة تفاصيل حساسة من ملف سبايكر. اذ لا جديد في كون داعش مجموعة مجرمة، ولا جديد في حصولها على مساندة من فلول صدام حسين، وهؤلاء لا يمثلون السنة، بل عصابات مجرمة تقتل ايضا السنة الصامدين امام داعش في الضلوعية وحديثة، وتقوم بتصفية متواصلة ومؤلمة ايضا لعوائل سنية عملت داخل تنظيم الصحوات وضحت وساهمت في صناعة الاستقرار بعد ٢٠٠٧، ثم وجدت نفسها الان وجها لوجه امام سيوف داعش، ووجها لوجه ايضا امام خذلان وفشل حكومي مرير.
لا جديد في ان نحاول فهم مستوى الاجرام لدى داعش، من سنجار الى جرف الصخر، لكن الجديد هو ان يتيح البرلمان فرصة كبيرة، لفهم "الخذلان الحكومي" لضحايا سبايكر، ونوع الاهمال الرهيب الذي حصل مرارا ولم ننجح في محاسبته، الى ان حصلت فاجعة سبايكر، التي تصلح ان تكون حكاية لكل انواع الفشل الذي رفض لثمانية اعوام، ان يمثل امام استجواب نيابي.
وحتى هذه اللحظة، يبلي مجلس النواب بلاء حسناً، ويضع نواة للفهم، ويتيح فرصة كي نسمع من الناس، وكي نسمع كذلك تلعثم قادتنا الأمنيين، وهو تلعثم النظام السياسي برمته. لكن القصة لن تتوقف هنا، ولن ننجح في فهم شيء، قبل ان نفهم الاربعة وعشرين ساعة التي سبقت مجزرة سبايكر: فما الذي حصل في الموصل، وكيف تحقق الانهيار الغامض، ولماذا تمر ثلاثة أشهر والقيادة لا تقدم توضيحاً يذكر؟
ان الاصرار على معرفة المذنب في المجزرة، والتي تشمل القتلة وتشمل المهملين الذين فشلوا في حماية جيشنا وحمايتنا، هو اصرار على معرفة ألغاز ٩ و ١٠ حزيران، يوم سقطت عشرات المدن والقصبات بلمح البصر، وسال دم كثير من كل الطوائف، وجرى تهجير نحو مليوني عراقي هم اليوم بلا مأوى ولا مال، ينتظرون مصيرا مجهولا وشتاء قاسيا ببرده وضياعه.
والاهم ان فرصة المعرفة والمحاسبة هذه، بكل شمولها، هي تحت قبة مجلس النواب، الذي في وسعه ان يحصل على "ولادة جديدة" لسلطته وصلاحياته ونفوذه، ان هو واصل ملاحقة الامر، بهذه العلنية وهذه الادارة الجيدة من قبل رئيسه سليم الجبوري، مع توفر شعور بالتواضع امام صرخات الموجوعين بالحدث.. واستعداد لسماع اقسى كلماتهم وانفعالاتهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. ابو سجاد

    انا ليس معك ستنتهي المسالة بتحميل احد الاطراف مسؤولية سبايكر مقابل ملايين الدولارات وسيقبل اصحاب الضحايا بتعويضات بسيطة وسيفلت المسؤول المباشروهو المختار من القضية وينتهي كل شى كما انتهت قضايا كبيرة من قبل ولاتحاول ان تمجد اعضاء البرلمان فانهم هم انفسهم م

  2. مصطفى جواد

    حين حصل استقرار نسبي بعد 2007 وبدأ العراقيون يتنقلون بين المحافظات ليلا وكان للقوات الدولية دور كبير فيها ولكن المشكلة ان الحكومة لم تستثمر الاستقرار بالتوجه نحو تنمية فعلية ومشروع اسكان انفجاري كان من الممكن ان يلتف حوله العراقيون ولكن بدل ذلك ترك الفاس

  3. جليل اسماعيل

    من البدء لم نعول على مجموعة من السرق والوصوليين الذين تسلقوا على اكتاف البسطاء للوصول الى السلطةانهم مجموعة من مزيج غير متجانس همهم الاول والاخير الاستحواذ على كل انواع مغانم السلطة ولايوجد مايشغلهم عن ذلك

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram