ارتبطت آمال أوساط واسعة من العراقيين بالتغيير الحكومي، كتحولٍ جذري في مسار البلاد. ولم تقتصر آمالهم على إيقاف التدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وانما اتسعت دائرتها لتشمل تصفية الإرث المأساوي للولايتين السابقتين، بجوانبهما المختلفة، لت
ارتبطت آمال أوساط واسعة من العراقيين بالتغيير الحكومي، كتحولٍ جذري في مسار البلاد. ولم تقتصر آمالهم على إيقاف التدهور في الأوضاع السياسية والاقتصادية والأمنية، وانما اتسعت دائرتها لتشمل تصفية الإرث المأساوي للولايتين السابقتين، بجوانبهما المختلفة، لتطاول ظاهرة الفساد، ورموزها، والوجوه المعروفة بتورطها في عملياتها المكشوفة، والحجر على وكلائها في الدولة وأجهزتها ومؤسساتها المعنية بالمقاولات والاستثمار وتحريك المال العام .
وأماني المتطلعين للتغيير، خارج دوائر النخب الحاكمة، اتخذت طابع أوهامٍ، وأضغاث أحلام، حين توقعت إقصاء شخصيات بارزة في الحكومة السابقة، يعتبرون من بين عرابي سياساتها ومنفذي نهجها، وحاملي إرثها المتشظي في كل ميدانٍ وعلى كل صعيد.
وعلى العكس من هذه التطلعات، غير الواقعية، التي لا تتحرك على قاعدة موضوعية، ولا تتناسب مع موازين القوى في سلطة القرار ومراكزها المتنفذة، فإن آخرين في دوائر النخب الشيعية وجدوا في رد الولاية الثالثة بحد ذاته " انتصاراً للديمقراطية "، وانفتاحاً على أفق التغيير.
والواقع أن ما جرى حتى الآن، وبحسابات المتوقع الآتي في إطار التشكيلة الوزارية، يبين أن تغييراً نوعياً لن يكون وارداً، وأن طابع التحول سيكون اقل من تطلعاتنا. وما يمكن أن يتحقق، اذا ما بقيت الأطراف الداعية الى التغيير متماسكة في مواقفها، مدركة أن أنصاف الحلول، لن تستطيع إنقاذ البلاد من وهدتها، لن يتجاوز، ترميم ما تخرّب خلال المرحلة السابقة، مع محاولة ايجاد تسوياتٍ هشّة لقضايا تتطلب حلولاً مصممة بعناية وتدبير، وتستطيع اطفاء مواقد الفتنة.
ولا علاقة لهذا التقدير، بوجود مشاركين في الحكومة، يريدون انقاذ البلاد من التحديات الكيانية التي تنتظرها، أو أن بعضهم لا يدرك طبيعة المخاطر التي تتهدد العراق ومستقبله، بل ينطلق هذا التصور من التركيبة الحكومية التي يبدو انها ستتصدر المشهد خلال السنوات الاربع القادمة، إن أمكن انجاز ما يساعد على التماسك الوطني، ويحول دون تصدعاتٍ مخلةٍ، تستثير كوامن الغضب والفتن.
إن شحن المواطن بآمالٍ غير واقعية، يؤدي الى عكس الهدف المطلوب من ذلك، والمتمثل بشحذ الهمم، ورفع الاستعداد الشعبي، لتفهم المصاعب، إن كانت مصاعب حقيقية، أم هي في الواقع، تعبيرات ضمنية عن استمرار نهج التعديات والتجاوزات ونهب المال العام وتوسع مظاهر الفساد المالي والاداري.
إن المسؤولية الوطنية، بعيداً عن الانحيازات الطائفية والقومية والفئوية، تضع على عاتق المتصدين للشأن العام، تعبئة القوى العراقية الحية للارتقاء بوعيها في مواجهة المخاطر والتحديات، والاستعداد لتغيير مواقفها من انحيازها في اتجاه يتعاكس مع مصالحها، ويعرض مستقبل البلاد والشعب العراقي الى مصير مجهول العواقب. وهذا يتطلب اظهار الحقائق، بكل تفاصيلها أمام الرأي العام، وكشف المستور عن العبث بارادتها من قبل من منحتهم ثقتها، والتخلي عن اخضاع ذلك للانحيازات الفئوية والطائفية والحزبية. ومهما كان مهماً، التركيز على النهج السياسي للحكومة وأدائها، فإن ما يجمع العراقيات والعراقيين اليوم، هو ما يرتبط بأمنهم وكرامتهم وأوضاعهم المعيشية، وحرياتهم، وحقهم في العمل والصحة والحصول على فرصٍ متساوية في التعليم والخدمات الضرورية للعيش بكرامة واستقرار. وفي هذا الاطار، يمكن ايجاد مشتركاتٍ بين المكونات دون استثناء.
وقد يتساءل متسائلٌ مدركٌ لبواطن الأمور، عما اذا كان ممكناً، تدبير جانبٍ مضيء واحد من الأماني المجهضة منذ عشر سنوات عجاف، مع استمرار هيمنة نفس الوجوه التي ظلت تطل علينا مع كل تشكيلة حكومية، سوى انها قد تتبادل المواقع والأدوار في الحكومة القادمة، مع أن من بينها من يمكن اعتباره عراباً للفساد، وحامل آثام ما اقتُرف خلال الولايتين الماضيتين؟
أن التوكل على الإنجاز الحكومي وحده وما يمثله من تركيبٍ وتمثيل، سيكون قاصراً عن معالجة اية اشكالية تؤدي الى تحولٍ في المسار، إذا لم تبادر الحركات والاحزاب والنقابات ومنظمات المجتمع المدني، الى تشكيل مراكز ضغطٍ سياسيٍ شعبي، وإطلاق مبادرات لا تتسم بالموسمية، أو تنحصر في قضايا معزولة عن بعضها البعض، وان ترعى تشكيلاتٍ غير حكومية، عابرة للطوائف والمكونات، تأخذ على عاتقها متابعة المطالبات الشعبية من جانب، والأداء الحكومي من الجانب الآخر، وتعتمد كل الوسائل الديمقراطية المنصوص عليها في الدستور، لتحقيق مراميها وأهدافها.
وفي هذا السياق، من الضروري الإقدام، دون تلكؤ على تشكيل " هيئة وطنية عليا لمكافحة الفساد " يكون لها تمثيل فعال في كل محافظة ومدينة وحي، تحصي على الفاسدين أنفاسهم، وتكشف للملأ فضائحهم وانتهاكاتهم.
وقد يفتح نجاح مثل هذه المبادرة، إذا ما جرى تعميمها في كل أركان البلاد، عبوراً للطوائف والمكونات، باباً للأمل في تغيير، يجسد ما يتوق العراقيون الى تحقيقه، في دولة قانون وحريات ومساواة، دولة المواطنة المؤسساتية الحرة المدنية..
جميع التعليقات 4
محمد سعيد العضب
الامال في رمال, لان الاراده الحقيقه غائيه خصوصا ان مسارات التغيير بقيت حكرا بيد حفنه من احزاب دينيه واثنيه اشاعت وارادت ان تقنع الجميع بمظلوميه تاريخيه , هكذا اصبح همها الوحيد رعايه مصالحها الانانيه و الذاتيه خصوصا وانها افتقرت الي فكر جامع
محمد سلمان
الاخ العزيز علينا نحن ضحاية حكومات العنصرية بكل الوانها ان نشكل رئاسة جمهورية مصغر يتابع نشاطها ويشير للمطلوب عمله وكذلك البرلمان والحكومة نشير بنشرة يومية ما هيه مطالبنا 1- تحدد رواتب الرئسات بمعرفة الشعب 2- الغاء الحمايات لانهم يقولون الشعب
ابو سجاد
انك تحلم يااستاذ فخري سيبقى الفساد ينهش في جسد الدولة ولربما سيزداد لاحقا متى ماحسسنا بالوطنية عند ذاك سنقول من الممكن القضاء على الفساد
فؤاد جهاد شمس الدين
لا يمكن ان يكافح الفساد إلا عبر إعادة النظر في كافة التعيينات آلتي تمت خلال ولايتي المالكي وإحالته شخصياً الى القضاء. لقد اصبح الفساد علاني، او كما يقول المثل على عينك يتاجر. أذكر لك حالة فساد علنية قام بها مدير الادارة العام لإحدى الوزارات. فقد قام بإطفا