اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > الدبلوماسية الأميركية "الناعمة" وانحناءاتها المبهمة: معايير النجاح بخواتيمها

الدبلوماسية الأميركية "الناعمة" وانحناءاتها المبهمة: معايير النجاح بخواتيمها

نشر في: 7 سبتمبر, 2014: 09:01 م

في لحظة فارقة توحد الموقف العراقي، بتمايزات مفهومة، حول دور أميركي مطلوب، عسكرياً وسياسياً، لإخراج العراق من المأزق الوطني الذي تدحرج اليه نتيجة سياسات مغامرة ونهجٍ مضادٍ لسياقات التوافق الوطني، واستحضار الدستور والاستحقاقات التي جرى طمسها وإقصاء حوا

في لحظة فارقة توحد الموقف العراقي، بتمايزات مفهومة، حول دور أميركي مطلوب، عسكرياً وسياسياً، لإخراج العراق من المأزق الوطني الذي تدحرج اليه نتيجة سياسات مغامرة ونهجٍ مضادٍ لسياقات التوافق الوطني، واستحضار الدستور والاستحقاقات التي جرى طمسها وإقصاء حواملها.

وبغض النظر عن الجدل الدائر حول المسؤولية الاميركية عما لحق بالعراق والعملية السياسية من ضرر بالغ نتيجة اخطاء تقييمية، وما تبعها من تواطؤٍ، قد لا يكون مقصوداً، مع المالكي وفريقه، فإن اوساطاً "عفيفة النوايا" إزاءها، تتوقع أن تكون اكثر حذراً وأعمق تقييماً لما آلت اليه البلاد، وما تقتضيه الأوضاع من حلولٍ ومعالجات.
وليس من بين هذه الحلول والمعالجات ممارسة ضغوطٍ لمجرد ادعاءٍ بانجازٍ، ولو شكلي، خططت له وتنتظره القيادة الاميركية، ليستجيب لجانبٍ من استراتيجيتها التي فرضتها عودة الارهاب كخطرٍ داهم عالمياً. ومع أن الاهتمام الاستثنائي بتمكين العراق سياسياً، عبر تشكيل حكومة الشراكة الوطنية الشاملة، موضع اتفاقٍ عراقي أيضاً، لكن ذلك يتطلب التأكيد لا على سرعة إعلانها فحسب، بل وتمكينها منذ البداية من النجاح، وتأهيلها للنهوض بمسؤولياتها المعقدة المتشابكة، بين ما ورثته وما يتحرك في الواقع بضغطٍ من التحديات الامنية والعسكرية والاقتصادية ايضاً.
ومثل هذا التصور، يقتضي قبل كل شيء، تجنب القفز على الواقع الموضوعي ومؤشراته، وهجر الصيغة التقليدية التي اعتمدها مبعوثوها والقيمون على سفارتها، باسقاط مخططاتٍ جاهزة مسبقاً، مبنية على معطياتٍ لا تتطابق مع الوقائع الجلية، بهدف تطبيقها قسراً على البيئة العراقية، قدر تعلق التجربة بالعراق منذ ٩ نيسان ٢٠٠٣.
وقد يكون مفيداً للمبعوثين الاميركيين القادمين هذه الايام لإبداء المشورة للمعنيين العراقيين بتشكيل الحكومة، أن يحفظوا قولاً عربياً مأثوراً، لعله ينفع في اعادة صياغة مفهومهم لصيغة المشورة، ووجهة الضغوط التي يستخدمونها على هذا الطرف أو ذاك، من المتحاورين لتشكيل حكومة الشراكة. والقول المأثور الدارج "حسابات الحقل لا تطابق حسابات البيدر"، قد يفيد في الاخذ بالاعتبار المسافة الفاصلة بين البيت الابيض والبنتاغون وراء المحيط، والعراق على امتداده، وليس المنطقة الخضراء المعزولة عنه، وما يمكن أن يجري فيها من تغيرات وحراكٍ على مدار الساعات والأيام!
إن تجربة مبعوثٍ اميركي وآخر، طوال الأزمات التي شهدها العراق خلال الولايتين المتدثرتين بالعجز والفشل والمصائب، لم تقدم نموذجاً ينطلق من قراءة الواقع العراقي الى الاستنتاج والتحليل وتقدير المواقف والخطوات. وقد ترتب على هذه الصيغة في التعامل مع الشأن العراقي نتائج وخيمة، كان من الممكن تجنب الكثير منها، لو جرى التبصر والنظر الى الواقع بمنأىً عن التقييمات الذاتية، لمن كان مهتماً كأولوية "وظيفية" له "بتنفيذ" ما أوكله اليه البيت الابيض أو الخارجية الاميركية أو البنتاغون، دون تمحيصٍ ومتابعة لما يتطابق مع ما أوكل اليه أو يتعارض معه، ودون اعتبارٍ للآراء والارادات العراقية الايجابية المتفاعلة التي تنطلق من وقائع ومستلزماتٍ لا بد من استيفائها للنجاح.
وكما يؤكد مسار الحوارات الجارية هذه الايام، فإن الجانب الاميركي، يولي اهتماماً بالغاً، كعادته في مناسباتٍ سابقة، باعلان الحكومة، وهو ما تنتظره الولايات المتحدة الاميركية وغيرها، لاستكمال عدتها ضد داعش والارهاب. وهذا ما تريده الاطراف العراقية ايضاً، وتسعى غالبيتها لتمكين الحكومة المقبلة، من جهوزية واقتدارٍ وجرأة لتحمل مسؤولية المرحلة الانتقالية الصعبة، في مواجهة الارهاب، وفي التصدي لعمليات الترميم والمهام البنائية المؤجلة والمتعثرة.
لكن الدور الاميركي، لا يستقيم، ولن يستجيب لما تفرضه الاحوال القائمة، اذا ما ارتأى اعلان الحكومة، بأي كيفية كانت، مع ممارسة ضغوطٍ غير مقنعة على هذا الطرف أو ذاك، للقبول به تحت أي ظرفٍ، بالصيغة غير المكتملة برنامجياً، وبلا مراعاة شروط استمراريتها وديمومة تطورها في انجاز مهامها المعقدة.
إن الجهد المطلوب تكثيفه من كل الاطراف المهتمة بدعم العراق وانقاذه من مأزقه، يتجسد في التأكيد على أن تستجيب الحكومة المقبلة، وهي تُعلن، لشروط ديمومتها وعوامل تعبئتها جميع العراقيين، بأحزابهم ومكوناتهم، وأن يكون مفهوماً لدى كل الاطراف وبشكل خاص لدى المكلف بتشكيل الحكومة، ان الدعم الدولي الواسع ليس مقصوداً به طرف محدد، وإنما جميع الاطراف، وإن المطالبة بالتعجيل في اعلان الحكومة، تشترط أن تستجيب لمتطلبات الشراكة الحقيقية، وتنطوي على شروط النجاح والاستمرارية..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 4

  1. Hussain Al-Hadithy

    إفتتاحية ممتازة، تشكر استاذي العزيز فخري، هناك من وصف رجال الصحفيين بانهم مدفعية الفكر ، و الصحيفة هي السيف وقبضته هي الحقيقة. تحياتي وتحياة كوبا الحرة الثائرة دوماً حسين الحديثي

  2. طارق الجبوري

    مع كل الاحترام والتقدير لارائكم الواقعية الا ان من غير الواقعي ان تكون التواطؤات والاخطاء الاميركية غير مقصودة كما اشرت حيث ان واقع الامر يشير الى اتفاقات جرت لدعم المالكي السكوت على خطاياه. وفي كل الاحوال فان مؤشرات تشكيل الحكومة لحد الان لاتدعو للتفاؤل

  3. د عادل على

    امريكا تتخبط فى العراق لانها لا تعرف عن تكوين العراق شيئا كثيرا دينيا ومدهبيا وقوميا وايديولوجيا--------الخطا الاكبر الدى عملته امريكا فى العراق هو انها لم تاتى لتحرير العراق ولا للاطاحه بالبعث ولا حتى بصدام الصديق القديم لمستر دون ماك هيل رئيس استخبارات

  4. أبراهيم محمد علي

    أني أؤيد ما جاء في تعليق الأخ عادل علي, نعم تبقى أمريكا عدوة الشعوب والأنسانية وأمريكا تريد وتحب البعث لأنه الأداة المطيعة والمنفذة لجرائمها وتنفيذ سياستها في السلطة وخارجها.

يحدث الآن

واشنطن تحذر بغداد من التحول الى "ممر" بين ايران ولبنان

تقرير أمريكي: داعش ما زال موجوداً لكنه ضعيف

انتخابات برلمان الاقليم..حل للازمات ام فصل جديد من فصولها؟

صورة اليوم

المباشرة بتطبيق الزيادة في رواتب العمال المتقاعدين

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الستراتيجيّةُ العمياءُ وراءَ فاجعةِ الكرّادة..

في حُمّى "الهَلْوَسةِ السياسيّةِ" استرخى وزراءُ "الغَمْغَمَةِ" واللَّك..!

بينَ اليأسِ والإحباط مساحةٌ مضيئةٌ للصمت ..!

الموت حين يُصبح طقساً عابراً بلا مراسيم تشييع للفقراء .!

"بــيــروت مـــديـنـتــي".. وعـيـــنٌ عـلـــى بــغــداد ...

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram