ليس سراً أن فشل الدول التي قامت في المنطقة بعد انهيار دولة بني عثمان، كان السبب الرئيس لنشوء حركات التطرف الإرهابية، وأن عجزها عن تقديم البدائل للفكر المتطرف، ساعد في تنامي هذه التنظيمات، ذلك أن حكام المنطقة ملوكاً أو رؤساء أو عسكر انقلابات، أو ثواراً ظنوا أنهم مبعوثو العناية الإلهية،عجزوا أو لم يعملوا أصلاً، على أن تكون الدولة الناشئة لجميع مواطنيها، تحميهم وتوفر لهم الأمن والأمان، فكان البديل تنظيمات تسترت بالإسلام، باعتباره دين العدل والمساواة، بينما هي تعتنق الإرهاب بكل بشاعته وهمجيته وظلاميته، ديناً سرياً لتنظيماتها التي سلبت عقول البسطاء من الناس، ومعهم الكثير من صيادي الفرص، الممتهنين لتوظيف التعبير عن رفض الواقع البائس، في عمليات إرهابية وصلت اليوم حد جز الرؤوس ونحر الأسرى، وتكفير كل من لايؤمن بفهمهم الخاطئ للدين.
وهكذا باتت المنطقة بفضل حكامها الذين لايعترفون بتغير الأحوال، ومتطرفيها اليائسين، ساحة قتال دولية، دون أي بحث جدي وصادق، عن مبررات تنامي الفكر التكفيري عند معتنقي الديانة نفسها، وضد الديانات الأخرى، وإلى حد جذب العشرات من الشباب العربي والمسلم، للانخراط في تنظيمات مذهبية تدفعهم قياداتها إلى مهاوي الهلاك، تارة لإقامة دولة الخلافة، وأخرى لتحقيق ولاية الفقيه، وبديهي أن الحرب التي يجري التحشيد الدولي لخوضها ستكون فاشلة بامتياز، إن وجهت نيرانها للنتائج ولم تعالج الأسباب، ولايبدو ذلك على أجندتها حتى الآن، ما يعني للأسف أنها ستسفر عن مزيد من الأحقاد الطائفية والتطرف، في حين تتصدع وتنهار كل كيانات دول ما بعد العثمانيين، وتنمحي حدود سايكس بيكو، ونعود نطالب بعودة المستعمر إلى حكمنا بالحديد والنار و"العدل"، وليس سراً أن المزاج الشعبي في المجتمعات التي تعرضت لصور بغيضة من نتائج هذا الوضع، ترحب اليوم بالحاكم العادل حتى لو كان مستبداً ومن خارج المنطقة.
هي الحرب العالمية الثالثة، ولكنها ليست بين الدول، بقدر ما ستكون بين الأنظمة المتحجرة والمتجبرة، والتنظيمات التي تتوالد كالفطر السام في العراق وسوريا ولبنان واليمن وليبيا ومصر، وبعضها ينمو بسرعات قياسية كما في حال داعش، التي تصدرت المشهد ودفعت بالقاعدة الى الصفوف الخلفية، وهي عابرة لحدود الدول التي يتشدق حكامها بالوطنية، دفاعاً عن مناصبهم ومكاسبهم، والواضح أن تلك التنظيمات تحظى بدعم بعض الدول لأسباب مذهبية، تعتمد التطرف ديناً ومنهجاً، وإن كان ذلك يتم سراً كما في حال داعش وعلناً كما هو حال حزب الله وبعض ميليشيات العراق، بينما أخذ بعضها صفة أحزاب مرخصة رسمياً كما في حال الإخوان المسلمين، وإن كان تم حظر تنظيمهم في مصر مؤخراً، وقبلها بزمن طويل في سوريا.
قلنا تنظيمات، لكنها في الواقع أقرب أن تكون دولاً، لها إداراتها وماليتها وعسكرها وأجهزة أمنها وإعلامها وتحالفاتها وأتباعها وحدودها المفتوحة، وهي تحتمي بالطائفية التي باتت كبقرة مقدسة، ينأى العالم عن الحديث الصريح عنها، بينما دول المنطقة تسعى لتجنب توسيع مفهوم الحرب على الإرهاب، خشية أن يؤدي ذلك لمطالبتها بمعالجة الحالة من جذرها، أي القيام بإصلاحات تحد من قدرة هذه التنظيمات على جذب المزيد من المؤيدين، وفي الأثناء فإن هناك تعريفات متباينة للإرهاب، فالغرب اليوم يحصره في داعش، بينما القوى السنية تدرج فيه حزب الله وبعض الميليشيات العراقية، وللجانبين حق في ما يراه، وهنا فان قصر الحرب على داعش، سيعتبر عند البعض انحيازاً ضد أهل السنة، والمهم ان على الدول العربية إدراك أن خطر هذه التنظيمات وجودي، وليس ممكناً الهرب منه إلاّ بالقضاء على أسبابه.
جذر الإرهاب
[post-views]
نشر في: 8 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
من الذي يستطيع القضاء على تلك الاسباب اذا كان هو السبب والمسبب يبقى العربي يعيش اسؤا حالاته