ماذا يعني أن يتأخر تشكيل الحكومة الجديدة حتى اليوم الأخير من المهلة الدستورية، بل الى الساعة الأخيرة، بل الى الدقيقة الأخيرة؟ وما معنى انها برغم ذلك تتشكل ناقصة وبخاصة من وزيري الداخلية والدفاع؟ وما تفسير أن يحدث هذا والبلاد ثلثها يحتله تنظيم إرهابي، وأهل البلاد تسيل دماؤهم على مدار الساعة أنهاراً دافقة؟
ما من معنى وما من تفسير وما من تأويل لهذا غير الأنانية.. أنانية الطبقة السياسية المتنفذة.
حتى قبل أن يحدث الاجتياح الداعشي كانت البلاد محشورة في مأزق خانق، ولو كانت الطبقة السياسية تتحلى بأدنى درجات نكران الذات والمسؤولية الوطنية لتوافقت قبل سنة أو أكثر على حلّ الحكومة القائمة الفاشلة وتشكيل حكومة جديدة، أو إجراء انتخابات مبكرة، كما يجري في العادة في مختلف البلدان عندما تواجه استعصاء سياسياً.. ولو كانت هذه الطبقة ناكرة للذات ومتحلية بالمسؤولية الوطنية لتوافقت، بعد الانتخابات البرلمانية الأخيرة، على التعجيل بإتمام الاستحقاقات الدستورية المترتبة على الانتخابات وليس التمدد ووضع الساق على الساق والانتظار حتى حلول آخر يوم وآخر ساعة وآخر دقيقة.. ولو كان لهذه الطبقة حتى ما هو دون الحد الأدنى من نكران الذات والمسؤولية الوطنية لسارعت بعد يومين أو ثلاثة من حدوث الاجتياح الداعشي الى التوافق على حكومة إنقاذ وطني متعاليةً على المحاصصات الطائفية والقومية والحزبية والمناطقية التي يذمّها الجميع قبل الانتخابات ويتشبثون بها بعد الانتخابات بأسنانهم وأظافرهم.
الأنانية هي التي حالت دون أن تخطو هذه الطبقة السياسية أياً من هذه الخطوات المستحقة وطنياً وانسانياً.. طبقة متسمرة عيونها ومشدودة أرواحها الى المناصب بامتيازاتها ومغانمها، لا تبالي بالمخاطر المحدقة بالناس ولا بالخراب المادي والمعنوي الذي تعصف ريحه الهوجاء في البلاد طولاً وعرضا.
جلسة مجلس النواب في اليوم الأخير والساعة الأخيرة والدقيقة الأخيرة من مهلة تشكيل الحكومة (الليلة قبل الماضية)، أظهرت وقائعها من جديد الى أي درك تنحدر هذه الطبقة في ممارستها السياسية .. المناصب التنفيذية استحوذ على العليا "الزعماء"، وجرى توزيعها وسائر مناصب الحكومة تحت الأضواء المبهرة على وفق الحصص الطائفية والقومية والحزبية والمناطقية، برغم وعود وتعهدات قاطعة بان الاولوية في التعيينات في هذه الحكومة ستكون للكفاءة والنزاهة، فيما عطّل التكالب على منصبي الدفاع والداخلية تعيين وزيرين للوزارتين اللتين أكثر ما تمسّ اليهما الحاجة الآن، وأدى الطمع في مناصب بعينها الى انسحابات في اللحظة الأخيرة لتبقى مقاعد وزارية أخرى شاغرة بانتظار المقايضات. حتى الذين رفعوا أصواتهم داخل القاعة وسعوا الى التشويش على مراسم التنصيب لم تتجاوز منطلقاتهم نظام المحاصصة اللعين.. انهم اعترضوا على توزيع المناصب ولم يعيروا اهتماماً للمنهاج الوزاري وكفاءة الوزراء ونزاهتهم ووطنيتهم، باستثناء كتلة التحالف الكردستاني التي اعترضت على المنهاج.. لكن مهلاً حتى هذه الكتلة انصرفت الى الشأن الكردستاني ولم تولِ الهموم الوطنية العامة، وما أكثرها وأثقلها، الا أدنى الاهتمام، فمطالبتها بـ "الديمقراطية واستكمال بناء الدولة الاتحادية، مراعاة التوازن، فصل السلطات واستقلاليتها، وكيفية اتخاذ القرارات" جاءت في ذيل البند الخامس من البنود الستة التي تضمنها بيان القيادة الكردستانية الذي قرئ في الجلسة!
نريد أن نتوسم خيراً في حكومتنا الجديدة، ولكن كيف يكون لنا هذا وهي قد تقيأتها الأنانية؟
مرحباً أيتها الأنانية..!
[post-views]
نشر في: 9 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 3
ابو احمد
استاذ عدنان االله يحفظكم هي مجرد تغيير مناصب وليس تغيير وجوه , لانه هناك خلل في الدستور الذي قسم على اسس طائفية بشان ادارة الدولة , ( تريد ارنب هاي أرنب تريد غزال هي ارنب) وهذا فدر العراق المبتلى ليس بداعش فقط ولكن بهذا النظام الذي قسم البلد الى قبائل مت
ابو عباس
الطبقة السياسية عفوك استاذ ارجو ان لاتصفهم بهذا الوصف لانك سيد العارفين بحقيقتهم ،حظنا العاثر وحكام البيت الاسود من سلطهم على رقابنا.
ياسين عبد الحافظ
شكرا لاثارتك نقطة اعتبرها اكثر من الجوهرية,الا وهى موضوع الزمن والوقت, الذى اراقبه بدقة وعناية,لااخفيك ان السبب الذى تفضلت به هو سبب جوهرى لكنه ليس وحده, هناك اسباب لاتقل اهمية اسميها (استراتيجية الوقت والزمن المحدد), ملخصها اننا العراقيين ولاسباب جغرافية