انشغل الجميع بعدد من القضايا التي تحيط خامس حكومة في عهدنا الجديد، لكن مما فاتنا ان نوليه الاهتمام الكافي، حكاية من مفاوضات الكردستاني مع العبادي. قالوا له: سنبدي اقصى مرونة، ولكن ادفع لموظفي الاقليم مرتبات شهر تموز وآب التي لم يتسلموها، كبادرة حسن نية، وقد توقعوا قبلها ان يبادر هو بلا طلب ليرسلها الى"مواطنيه الاكراد"في وقت الشدة هذا.. فأجابهم: انا غير متأكد من وجود مبلغ كافٍ (وكان الوفد يتحدث عن مبلغ هو اكثر بقليل من مليار دولار).
قيل بعدها ان"الفلوس اختفت"وهي فلوس كثيرة بالطبع، فقد كان يفترض ان حصة كردستان من الموازنة يجري حجزها (على صفحة) ريثما تنجح التسويات، لكن سلطاننا انفقها كما يبدو، وانفق سواها بالتأكيد، ولاتزال النائبة عن كتلة الاحرار ماجدة التميمي تحاول معرفة المبلغ الحقيقي في"جيب العراق"لحظة انتقال السلطة، بوصفها رئيسا مؤقتا للجنة المالية في البرلمان.
تسلمنا من الحاج اذن، بلداً لا نعرف كم بقي في جيوبه، وسط كلام عن فوضى انفاق رهيبة شهدها بلد بلا قانون موازنة، واتاحت داعش مزيدا من الانفلات فيه. والمشكلة ليست مشكلة مال، فكل قطرة نفط تباع، هي فداء لاحذية البنات والاولاد الذين تذوقوا ويلات الحرب، موتاً او تشريداً. لكن هذه الزاوية من النقاش، يمكنها ان توضح لنا حجم الارث السيء الذي انتقل الى الحكومة الجديدة، والارادة المطلوبة لتخطيه وضمان طي صفحته.
وفي هذا الاطار يقول القائل ان علينا جميعا، ان لا ندخر الوسع في مد يد العون للدكتور العبادي، وهو بلا شك يستحق هذا، اذ لا خيار اخر ولا فرصة لدينا، الا ان يحقق نجاحا مقبولا. بيد ان على الفريق العامل مع العبادي ان يتنبه الى ان رئيس الوزراء هو الذي ينبغي عليه ان يساعدنا، حين يعتنق مفهوما حديثاً للادارة والسياسة، بعيدا عن نهج"العفرتة وفتل العضلات"الذي انتهى الى حجزنا في لحظة انقراض رسمي، نلطم الآن ونتضرع ونولول، أملاً بوقفه.
اما التحالف الوطني فقد قام بعمل جيد وأحسن اختيار العبارات، فالسيد عمار الحكيم قدم تصوراً تصالحياً كبيراً طوال شهور، والسيد مقتدى الصدر اختصر الحكاية بكلمة واحدة يوم الاربعاء"حان الوقت لدخول عصر الانفتاح على اصدقائنا"، واكد اهمية"التفريق بين المعارض المعتدل والمتشدد". بينما تحدث نواب مهمون كان اخرهم الدكتور ابراهيم بحر العلوم، عن بوادر حسن نية فعالة، من قبيل حصر كل ما اصدره المالكي من قرارات مهمة في اسابيعه الاخيرة، وعرضها على البرلمان، لالغاء كثير من الارتجال والشطط.
كل هذا امر يجب ان يحظى بالتقدير، ويكون اساسا لما تحتاجه المرحلة المقبلة، من ثقة بالقيادة السياسية للتحالف (حقا من سيخلف الجعفري في رئاسته؟). لكن هذه الثقة التي منحها العراقيون للتحالف الشيعي الكريم، ولوعوده والتزاماته، هي مسؤولية تتعاظم ازاء نهج الحكومة الجديدة واماني الاصلاحات السياسية.
ومعنى تعاظم المسؤولية هو ان يعرض لنا التحالف الوطني التزاماته الواضحة ككتلة، ازاء احتمالات ان ينحرف مسار الحكومة عن خطة الانقاذ الحالية، حتى لا نقف مكتوفي الايدي امام الانهيارات المحتملة، التي نتمنى ان لا تحصل بالطبع، طالما قام العبادي بمساعدتنا واعانتنا على دعمه، متمسكاً بنهج الادارة الحديث، وتدابير السياسة المتعقلة.
التحالف الوطني امام اختبار هو الاقسى، ولديه القدرة والارادة ووضوح الفكرة، ليمنحنا املاً بامكانية تجاوز المحنة، عبر التدليل على انه قيادة سياسية تتحمل مسؤولية تصرفات رئيس الحكومة، وتبدي مرونة وانفتاحا، الهدف منهما احراج اي طرف عراقي قد يريد تخريب المهمة، ليلقى التحالف من جانب العراقيين كل تفهم ومساندة.
ان ما حصل ليس جيدا بما يكفي، لكنه ايضا ليس بسيء للغاية، والفرصة كبيرة لالتقاط الانفاس، ولن نطمئن الا اذا بدأت المراجعة الفعلية خلال اول شهر من"عهد الاصلاحات".
دخول عهد الاصلاحات
[post-views]
نشر في: 10 سبتمبر, 2014: 09:01 م