كنّا ولا نزال نعتقد بأن الفوز والانتصار في الحرب على الإرهاب لا يتحقق من خلال المعارك والجيوش والحشود الشعبية إنما تشكل هذه مجتمعة جزءاً من جملة حلول أخرَ، لا تقل في أهميتها عن ذلك، وفي نظرة سريعة فاحصة نجد أن الكثير ممن يحاربون داعش على أرض المعركة اليوم، في بغداد والرمادي والبصرة والموصل وغيرها من المدن إنما هم "دواعش" من نوع آخر، أشَعروا بذلك أم لم يشعروا، أقبلوا بالتسمية هذه أم لم يقبلوا، وقد نربح معركة هنا او هناك، لكننا سنخسر الحرب برمتها إن لم نتنبه للمخاطر تلك.أي ثلم في بنيان الدولة العراقية التي نريد لها أن تكون علامتنا الفارقة، أقول ثلم ناجم عن سلوك فردي او يتم بإجماع، في مؤسسة او مدرسة او شارع هو عمل من أعمال الارهاب، أي فعل سيء يقْدِم عليه موظف فاسد سيكون من شانه تقويض أركان الدولة هذه، والامر يتعلق بالفعل السياسي أكثر من غيره، ذلك لأن بناء الدولة على أسس متينة يتم من خلال غلق منافذ التشويه الصغيرة والكبيرة، وما يلوح في الأفق ينطوي على دلائل تشير بوضوح إلى أن مرحلة العبادي تختلف عن مرحلة المالكي، ولعل القادم من الأيام يحمل الينا ما يبهج أكثر.قبل الحرب الكونية التي أسقطت نظام صدام حسين كان الرئيس الامريكي بوش الاب يقول: "بان العراق ليس أفغانستان، نحن سندخل بلادا عمر الحضارة فيها ستة آلاف سنة" الاشادة هنا ليست من أعمال التسويق إنما تأكيد على ما نردده نحن، ويعترف به العالم أجمع. ترى هل كنا الاعتقاد ذاك؟ وهل جئنا بما يؤكد تصور العالم عنا؟ للأسف لم نكن كذلك، لا في وعينا السياسي ولا في سلوكنا الاجتماعي، كانت الدكتاتورية قد أطبقت على مشاعرنا، وقزمت افكارنا عنا، ثم جاء ملوك الطوائف الذين لم يعملوا على استفزاز أحاسيسنا العميقة في تاريخنا الكبير، بل راحوا يجزئون اوصالنا على قدر تفكيرهم فأخذ احدهم ورقة العِرق، وآخر ورقة الدين والطائفة والمذهب، وثالث ورقة العشيرة والمنطقة وهكذا اضعنا الورقة الاكبر، ورقة العراق التاريخي ذي البعد الانساني العميق.أجلسُ أحيانا في مقهى أو مطعم ما، على شطر العرب، أشرب الشاي أو اخلد لنفسي ساعة من المساء، ومثل غيري أتطلع للسفن المبحرة داخلة وخارجة من الشط، أرقب زوارق الصيادين والمتنزهين، وهم يذرعون الماء بأوهامهم. لكني كثيرا ما أطيل النظر في حركة صاحب المقهى، أبحث في أركان مقهاه عن حاوية للنفايات فلا أجدها، هو يلقي بقناني الماء الفارغة وأكواب الشاي البلاستيكية إلى النهر مباشرة، ثم انعمُ النظر في حجم النفايات التي يلقيها أصحاب المطاعم والكازينوهات في النهر، في انهار العراق كلها، والتي تدخل انهر البصرة الصغيرة، المتفرعة من شط العرب، وحين أتطلع من بلكونة الجسر في قريتنا الصغيرة أعرف حجم النفايات تلك، ساعتها اقول إن ما يفعله هؤلاء، وما يصمت عنه المسؤولون في دوائر البيئة والشرطة والموارد المائية ومنظمات المجتمع المدني لا يقل في خطورته عن ما يفعله الدواعش هناك.في عيادته الخاصة أعلمني طبيب الجراحة بأن عملية استئصال المرارة لزوجة ابني التي تعاني من حصى كبيرة فيها تكلفني أكثر من ثلاثة ملايين في المشفى الخاص، وإن أرادت ان تجريها بجراحة الناظور في المستشفى التعليمي فعليها أن تنتظر بين 4-6 أشهر، وهو على استعداد لإجرائها الخميس القادم إن دفعنا له مليون و600 ألف . ويعلمني من هو موظف كبير في محكمة الاستئناف بان قضية الزوجة التي قتلت زوجها مع سبق الإصرار والترصد قد تسوّى إلى القتل غير العمد، وتخفف العقوبة وقد يفرج عنها، لكن ذلك يكلف دفاتر كثيرة ومثل القصص هذه لدينا الآلاف. اليس كذلك ؟ ومن منا لا يحتفظ بواحدة او اثنتين ؟ ألا تكون هذه من أعمال الدواعش؟
قد تبدو قضايا كهذه كبيرة تتساوق في مضارها مع ما يقوم به الارهابيون لكننا نجد أن إهمال حفرة في شارع، وقوف عشر ستوتات في باب مدرسة، صمت الاجهزة الامنية عن إطلاق النار في مناسبة أو غير مناسبة، لا بل ترك سمكة تموت في نهر، بفعل من سلك كهربائي، يلقيه أفراد الشرطة عند نقطة قرب جسر بابي الخصيب، وسواها من الأعمال هذه، فاتحة أكيدة لانهيار اي دولة في العالم.
دواعش "وإن لم ينتموا"
[post-views]
نشر في: 13 سبتمبر, 2014: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
المشكلة نحن الذين سكتنا عن كل ذلك الفساد قد تحولنا الى دواعش رغم كل رفضنا له لكن للاسف رفضنا من الداخل ولم نترجمه الى الوقوف مباشرتا بوجه غول الفساد وسندفع ثمن اكثر مما دفعناه منذ الحرب العراقية الايرانية ليومنا هذا الاسود