بالتأكيد أنت مثلي تابعت نشرات الأخبار، وتأمَّلت صورة السيدة يانا هيباشكوفا سفيرة الاتحاد الأوروبي في العراق وهي تقول: إنها ستتحدث باللغة العربية لأنه:"ليس هناك وقت للترجمة بسبب العمل الكبير الذي يحتاجه النازحون"..وبالتأكيد استمعت مثلي أيضا إلى السيد وزير الخارجية إبراهيم الجعفري وهو ينقّب في "الكشّاف" للزمخشري ليُخرج لنا لآلئ الكلمات من عيّنة:" سنعمل بنظرية تجميد المُختلـَف، وتحريك المُتفـَق، وبين الصورتين يخيّم البؤس والظلام على مناطق واسعة من العراق، فيما نساء في زي السبايا وأطفال يتلحفون بالخيام، وخراب يتجمع ويتراكم، في مقابل هذه الصور هناك حرب ضروس على الوزارات الأمنية ، بينما معظم تلفزيونات العالم توحد شاشاتها لخبر واحد لا غير :"العراق في مهبّ رياح الإرهاب والفساد والانتهازية".
والآن هل تعرفون ما هو أقسى أنواع الخراب؟ أن تعدو دول العالم باتجاه المستقبل ، فيما نحن"محلّك سر".. أن تُصبح مدينة مثل دبي الأولى في مجال العيش والعمل، وبغداد تحصل على المراكز ما بعد الأخيرة.. أن تخسر كفاءات بلادك في سبيل ترسيخ مبدأ المحسوبية وتعميم شعار أهل الثقة لا أهل المعرفة..أن نبحث في قواميس اللغة عن عبارات وجمل لطمأنة الناس بأننا نعيش عصر جُمل مثيرة من عيّنة:"لسنا في أزمة قوالب، وهياكل جديدة لا نُريدها سلطة جديدة، لكننا نُريدها أن تكون روحاً تتموَّج إلى بقية المُبادَرات الأخرى.".. لا تصدّقوا أنّ هذه العبارة قالها ميشيل فوكو.. إنها من تدابير وزير خارجيتنا!
يكتب غاندي:"حيثما توجد خطب وحيثما يتكاثر الخطباء.. فإن البلاد ستذهب في طريق الهلاك حتماً"..
اختصرها غاندي الذي كان يرفض أن يخدع الناس:"إني أُؤثر الانتظار أجيالا وأجيالا، على أن ألتمس حرية شعبي بالخطب الزائفة والزاعقة"..فيما نحن نعيش في ظل ساسة يعشقون الخطابة ويزدرون المواطن، فماذا تتوقع ياعزيزي المشاهد وأنت ترى امرأة أوروبية ترفض أن يُترجم كلامها، فيما يطالبنا البعض بأن نلاحق عباراتهم ونحن ننظر في متون القواميس.
سيردّ المشاهد المغلوب على أمره مثلي: إنك تفكر في مسؤولين على شاكلة ديغول وكوان لي ولولا دي سيلفا، ودولة على شاكلة سنغافورة والبرازيل ونحن بلاد علّمنا العالم، القانون وقبله الكتابة.. أيها المشاهد العزيز لعل أسوأ ما نمر به اليوم أن المواطن لم يعد بحاجة إلى إعلام يشكك بمنجزات ساستنا، الناس يعرفون كل شيء، وكل مواطن يملك من المعرفة حول فضائح المسؤولين أكثر بكثير مما تتسع له كل وسائل الإعلام.. ما يقوله الناس ينمّ عن يأس من أي إصلاح ما دام المسؤول يعتقد أنه فوق القانون وفوق المساءلة وأنه الخطيب الأوحد.. ودعوني أستشهد بالجنرال الروماني بومبيوس حين قال لمواطنيه يوماً"إلامَ تسألوننا عن القانون، ونحن من نحمل السيف في وجه الأعداء؟"ولكن قبل أن يتحمس البعض ويجعل من جملة بومبيوس شعاراً للمرحلة القادمة، لابد من تذكيرهم بأن الجنرال الروماني لم ينتهِ نهاية سعيدة، وأن جنرالاً آخر انتصر هو يوليوس قيصر.. وكان يوليوس صاحب مقولة إن القيصر يجب أن يكون فوق المساءلة لأنه فوق الشبهات.. وهؤلاء الذين يعيشون فوق الشبهات لم نجد أحداً منهم اليوم يستبدل الخطب الرنانة، ببرامج تقول، ماذا سنقدم لسبايا الإيزيديين، وما الذي سنقوله للأجيال القادمة حين يسألون أين ذهب مسيحيو العراق؟
ولأننا متأكدون من أن أبطال مسلسل "أبجد هوّز"لن يتركونا في حالنا وسيطاردوننا في الفضائيات على واجهات الصحف كل يوم مصرّين على جعلنا جزءاً من الأحداث على طريقة مسلسلات الواقع التي ترفع شعار"ما يحدث في الدراما يمثل الواقع بحذافيره"، ولهذا نرى أبطال مسلسلنا الشهير يخرجون كل يوم إلى الناس ليذكّروهم ألاّ خيار أمامهم سوى التسمّر أمام شاشات التلفزيون لمتابعة مقاطع كوميدية، وحوار أصبح خارج الزمن ، طبعاً مع إصرار أبطال المسلسل على سرقة أحلام ومستقبل الناس.
تجميد المُختلَـف، وتحريك المُتّفّـق!
[post-views]
نشر في: 14 سبتمبر, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
بغداد
بأننا نعيش عصر جُمل مثيرة من عيّنة: لسنا في أزمة قوالب، وهياكل جديدة لا نُريدها سلطة جديدة، لكننا نُريدها أن تكون روحاً تتموَّج إلى بقية المُبادَرات الأخرى. .. لا تصدّقوا أنّ هذه العبارة قالها ميشيل فوكو.. إنها من تدابير وزير خارجيتنا؟!!!!! هذا الرجال الث