اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > "فرويد"والحالة العراقية

"فرويد"والحالة العراقية

نشر في: 19 سبتمبر, 2014: 09:01 م

أتابع ما يكتبه الزميل علي عبد الأمير، كونه يلامس الكثير من قضايانا الجوهرية، بالأمس تحدث"ابو سلام"عن حالة الإنكار التي تتلبس العديد من سياسيينا ومسؤولينا، وعرّج ليذكرنا بشيخ فلاسفة علم النفس"فرويد"الذي ظل مصرا الى اخر يوم في حياته على تقسيم حالتنا الحياتية إلى ثلاثة أقسام: ما قبل الوعي، ثم الوعي، ثم اللاوعي.. ولو تسنى له ان يعيش بيننا اليوم لتحدث عن حالة مابعد اللاوعي التي تصيب معظم العاملين في مؤسسات الدولة، وهم يتحدثون عن ملفات مثل النزاهة والفشل الأمني وتبديد الثروات وإقصاء الكفاءات .
لعل اسوأ فعل يمكن ان يقوم به المسؤول هو ممارسة إنكار الواقع وعدم الاعتراف بالحقيقة..
كان خطيب الثورة الفرنسية"ميرابو"يبتسم حين يسمع خطب الحاكم "روبسبي" قائلا:"هذا الرجل مصر على ان يقنع الناس بان تصدق ما يقوله.. بينما هو في قرارة نفسه يضحك من جهل الآخرين وحماستهم"، هكذا يقدم لنا ميرابو صورة الحاكم الذي لا يسمع غير صوته...
حالة"الإنكار"التي يمارسها معظم ساستنا ومسؤولينا "الأفاضل"، هي ظاهرة ليست وليدة المرحلة الراهنة ولكنها والحمد لله ترسخت منذ عقود.. حتى وجدنا مسؤولا مهمته متابعة ملفات الفساد يخرج علينا بكل صلافة ليقول "ماكو""لا فساد حقيقيا في العراق بل أشكال بسيطة من الرشوة في الدوائر الخدمية".
من هو الحرامي ومن هو النزيه؟ سؤال يحيرني كلما طالعت تصريحات لكبار المسؤولين تتحدث عن محاربة الفساد الاداري والمالي وتدعو لاتخاذ إجراءات حاسمة تحد من انتشاره، والمعركة مع الفساد لم تبدأ اليوم ولن تنتهي اليوم أيضًا، فمادام هناك مال سائب ستجد اللصوص يحومون حوله، بل يذهب البعض الى اصدار فتاوى تبيح سرقة المال العام باعتبار ان القائمين عليه لاتهمهم مصلحة الناس، فشاهدنا ولاول مرة مستشفيات تسرق ومدارس ومؤسسات حكومية تنهب.
المواطن يتساءل لماذا أنتجت الحكومات الأخيرة وزراء فاسدين؟، لماذا اصبحت النزاهة حالة استثنائية أصحابها شواذ ومروجوها وان وجدوا فإنهم لايعدون سوى حالات استثنائية.
أصبحنا نقرأ ونسمع عن وزراء فاسدين وظفوا موازنة وزاراتهم لمنافعهم الشخصية، وغادروا من غير أن يتركوا منجزا واحدا يذكر الناس بما يجري..
ممارسة السرقة أصبحت أمرا طبيعيا مادام المسؤول لايحاسب واقصى ما يتعرض له الإقالة مع حفظ حقوقه التقاعدية وما تترتب عليها من امتيازات، وزراء ومسؤولون سرقوا من مال البلد اكثر من ميزانيات دول الجوار مجتمعة وغادروا من غير أن يقتص منهم، واكل الفاسدون من أموال الناس مالم تأكله شعوب افريقيا مجتمعة، لاول مرة في تاريخ النظم السياسية نجد ساسة يغادرون البلد حال فشلهم في الحصول على منصب جديد، فما الذي يبقيهم وأموالهم وقصورهم ومشاريعهم في الخارج! ولو راجعت لجان رقابية متخصصة في أموال وأرصدة المسؤولين السابقين لاكتشفت العجب العجاب!
وزارات مارست الفساد بشكل واسع، وشهدت خروقات مالية كبيرة وضاعت مليارات الدولارات بالهدر والسرقة وسوء التدبير ولم يحاسبهم القضاء الذي لم يقل كلمته حتى هذه اللحظة ولم يقتص من اللصوص ولم يبادر بنشر التفاصيل على الملأ ليعرف الناس على وجه الدقة من هو اللص ومن هو النزيه.
كانت مشكلة بعض مدعي السياسة، العثور على سكن مناسب وإذا بهم اليوم بعد دخول الحكومة والبرلمان يملكون القصور والشقق في لبنان ودبي ولندن.
تخيلوا لو أن مسؤولا عراقيا اتهم بالفساد وسرقة المال العام، ماذا كان سيفعل؟ حتما سيصف متهميه"بالثلة الفاسقة"وبأنهم يريدون تسليم العراق إلى عصابات داعش، وان هناك مخططا تقوده خلايا البعث بالتعاون مع إرهابيي القاعدة لتشويه سمعته ولصرخ بصوت عالٍ انه باقٍ في منصبه إرضاءً للجماهير التي لا تنام، الا وهي تضع صورته تحت الوسادة. هذه هي الحالة العراقية التي سيعجز عن ايجاد تفسير لها حتى"فرويد"نفسه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. بغداد

    حكومة ال حوسم علي بابات الحرامية من اساسهم حرامية حسب مواصفات أسيادهم المغتصبين المحتلين شركات الموت الاحمر النفطية الامريكية المتعددة الجنسيات التي هي اجندات مدروسة بدقة وخبرة حرامية طويلة وواهم كل من يعتقد ان حكومة ال حوسم الخضراوية ليس ورائهم اجندات مظ

  2. ابو سجاد

    المسالة لاتحتاج الى فراسة الكل يسرق بدون استثناء رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء ورئيس مجلس النواب ونوابه جميعا ورؤساء الكتل واعضاء كتلته والمدراء والموظفين التابعين للاحزاب المعمم والملتحي والاملس كلهم لصوص يااستاذ علي واللعن هكذا برلمان يمثله مشعان قاتل

  3. محمد سعيد العضب

    انطلقت الفلفسه الاميركيه في اعاده بناء الدوله الجديده بعد الاحتلال من نظريه خاطئه تمحورت في ان النفط المورد الاساسي في يد الدوله التي جلبت القهر والاستبداد والحروب من ناحيه , وظلت معاديه الي الديمقراطيه واقتصاد السوق من ناحيه اخري , عليه ولاجل التغ

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram